قال عنه الذهبي في المعجم المختصر: «عُني بالحديث بمتونه وبعض رجاله. وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره، وفي النحو ويدريه، وفي الأصلين. وقد حبس مدة لإنكاره على شد الرحيل لزيارة قبر الخليل (إبراهيم عليه السلام، والقبر مزوّر). ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم. لكنه معجب برأيه، جريء على أمور».
قال ابن حجر في الدرر الكامنة: «غلب عليه حب ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شيء من
أقواله، بل ينتصر له في جميع ذلك، وهو الذي هذب كتبه، ونشر علمه».
قال ابن كثير: «وكان مغرماً بجمع الكتب، فحصل منها ما لا ينحصر، حتى كان أولاده
يبيعون منها بعد موته دهراً طويلاً، سوى ما اصطفوه لأنفسهم منها... وكل تصانيفه
مرغوب فيها بين الطوائف. وهو طويل النفس فيها، قصداً للإيضاح. ومعظمها من كلام
شيخه، يتصرف في ذلك. وله في ذلك ملكة قوية، وهمة علوية. ولا يزال يدندن حول
مفرداته، وينصرها، ويحتج لها».
وقال ابن جبرين في شرحه على منهج السالكين للسعدي: «وابن القيم -رحمه الله- ولو كان معه أسلوب قوي، ولكن إذا مال إلى قول فإنه يتحامل على ذلك القول».
وقد وجدت بحثاً قيماً للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة أحببت أن أنقله بكامله لجودته
البالغة، قال:
أما ابن القيم: فمع جلالة قدره، ونباهة ذهنه، ويقظته البالغة: فإن المرء ليَعجَب
منه –رحمه الله تعالى– كيف يروي الحديث الضعيف والمنكر في بعض كتبه كـ"مدارج
السالكين" من غير أن ينبه عليه؟! بل تراه إذا رَوَى حديثاً جاء على "مشربه"
المعروف، بالَغَ في تقويته وتمتينه كلَّ المبالغة، حتى يُخَيَّل للقارئ أن ذلك
الحديث من قسم المتواتر، في حين أنه قد يكون حديثاً ضعيفاً أو غريباً أو منكراً.
ولكن لما جاء على "مشربه"، جمَع له جَرَاميزه، وهبَّ لتقويته وتفخيم شأنه بكل ما
أوتيه من براعة بيان وقوة لسان.
وأكتفي –على سبيل المثال– بالإشارة إلى حديثٍ واحدٍ من هذا النمط، رواه –رحمه الله
تعالى– في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" أثناء كلامه عن وفد بني المنتفِق
(3\674 ت الأرنؤوط)، فقد ساق هناك حديثاً طويلاً جداً جاء فيه من قول النبي (r):
«... ثم تلبثون ما لبثتم، ثم تُبعَث الصائحة. فلعَمْرُ إلهك ما تدَعُ على ظهرها
شيئاً إلا مات، والملائكةُ الذين مع ربّك. فأصبح ربُّك عزَّ وجلَّ يطوفُ في الأرض!
وخلَتْ عليه البلاد...!».
وبعد أن ساق الحديث المُشار إليه، أتبعه بكلامٍ طويلٍ في تقويته، استهلّه بقوله:
«هذا حديث كبير جليل، تنادي جلالتُه وفخامتُه وعظمتُه على أنه قد خَرَج من مشكاة
النبوة. لا يُعرَفُ إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني...».
ثم استرسلَ في توثيق "عبد الرحمان" ومن رواه عنه استرسالاً غريباً! كما أنه سَرَد
الكتبَ التي رُوي الحديث فيها، وهي كتب معروفة بشيوع الحديث الضعيف والمنكر
والموضوع فيها، وهو من أعلم الناس بحالها. ولكن غلبتهُ عادتهُ ومشربه، فذهب يسردها
ويطيل بتضخيم مؤلِّفيها، تهويلاً بقوة الحديث وصحته.
مع أن الحديث حينما رواه صاحبه الحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" (5\82)
أعقبه بقوله: «هذا حديثٌ غريبٌ جداً، وألفاظه في بعضها نكارة». وكذلك قال الحافظ
ابن حجر في "تهذيب التهذيب" في ترجمة "عاصم بن لقيط بن عامر بن المنتفِق العُقَيلي"
(5\50) بعد أن أشار للحديث ومن رواه من المؤلِّفين: «وهو حديثٌ غريبٌ جداً».
فحينما يقول الحافظ ابن كثير والحافظ ابن حجر في الحديث المشار إليه: «حديثٌ غريب
جداً، وألفاظُه في بعضها نكارة» تَرى الشيخَ ابنَ القيم يُسهب ويُطنب في دَعمه
وتصحيحه، حتى نَقَل مرتضياً قولَ من قال: «ولا يُنكِرُ هذا الحديثَ إلا جاحد، أو
جاهل، أو مخالفٌ للكتاب والسنة»!!
فصنيعُ ابن القيم هذا يدعو للبحث والفحص عن الأحاديث التي يرويها من هذا النوع
ويُشيدُ بها في تآليفه، وهي من كتبٍ فيها الحديث الضعيف والمنكر والموضوع.
انتهى كلام الأستاذ
رحمه الله.