منهج جلال الدين السيوطي

 

قال العلامة أبو الحسنات، محمد عبد الحيّ اللكنوي الهندي (1264 هـ - 1304 هـ) في كتاب: "الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة"، ص 126، ط. أولى: 1384 هـ/1964 م، بعناية عبد الفتاح أبي غدّة، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا: «أما السيوطي: فهو الحافظ المطلع الجمّاع المنقطع النظير، وهو أوسع العلماء الأجلّة الذين ذكرتهم، تساهلاً في إيراد الحديث الضعيف، والتالف، والموضوع وشبهه في كتبه ورسائله. وإن كان قد عزم رحمه الله تعالى أن يصون كتابه الخيِّر: "الجامع الصغير من حديث البشير النذير" عن الحديث الموضوع حيث قال في فاتحته: "...وصنته عما تفرد به وضّاع أو كذّاب". فإن هذا العزم لم يتم له الوفاء به، فقد وقع منه في: "الجامع الصغير" نفسه -وفي غيره من كتبه أيضاً- أحاديث كثيرة هي من الحديث الموضوع، كما نبه عليها شراحه كالشيخ المناوي في شرحه: "فيض القدير شرح الجامع الصغير"».
وأضاف اللكنوي: «والأحاديث الموضوعة التي وقعت للحافظ السيوطي رحمه الله في "الجامع الصغير" كثيرة غير قليلة كما سيأتي بيان عددها، وبعضها قد حكم السيوطي نفسه بوضعه في كتابه: "ذيل اللآلئ"». ونبه اللكنوي إلى عيب قاتل في مؤلف: "الجامع الصغير" بقوله (ص 127): «وأما ما يوجد في بعض النسخ من الرمز إلى "الصحيح"، و"الحسن"، و"الضعيف"، بصورة رأس: (ص)، و(ح)، و(ض): فلا ينبغي الوثوق به، لغلبة تحريف النُّسّاخ!».
وقد ألف أحمد بن الصديق الغماري كتاباً خاصاً بما وقع من حديث موضوع في: "الجامع الصغير" سماه: "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير"، ط. أولى: 1402 هـ، دار الرائد العربي، بيروت. فقال في مقدمته (ص 3): «فقد أورد (السيوطي) فيه أحاديث تفرد بها الكذابون، وأخرى ظاهرة الوضع وإن لم يتفردوا بها، لأنها من رواية الكذابين أمثالهم، الذين يسرقون الأحاديث ويركبون لها أسانيد أخرى لقصد ترويج ذلك الحديث الموضوع، لغرض الإغراب!، أو الاحتجاج!، أو غير ذلك من الأغراض. بل من الأحاديث التي ذكرها فيه ما جزم هو نفسه بوضعه!، إما بإقراره حكم ابن الجوزي بوضعه، وذلك في: "اللآلئ المصنوعة"، وإما باستدراكه هو إياه على ابن الجوزي، وذلك في: "ذيل اللآلئ" له...».
وقد عد ابن الصديق عدد الأحاديث الموضوعة المتبادرة الوضع فبلغت عنده 456 رواية، بدون تقصي. (قال المعلق: وهي أكثر من ذلك بكثير لمن رام الاستقصاء بشروط النقد الموضوعي الصارم المتعددة التخصصات، على ما دأبنا على انتهاجه في غير ما مؤلف من مؤلفاتنا في مثل هذه الموضوعات. وأنظر لمزيد "الأجوبة الفاضلة..."، ص 128-129). لذلك لا يجب الاعتماد على الرموز التي يوردها السيوطي في كتابه "الجامع الصغير" ولا على أقواله عامة في الموضوع للعوار الذي يعتريها من هذين الجانبين: جانب الحكم على الأخبار، وجانب تصحيفات وتحريفات النساخ. وإيرادنا لها إنما هو استئناساً لنحكم عليها نحن بما تستحقه فعلاً.