عورة المرأة أثناء الصلاة

قدم المرأة

رُوِيَ عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه (أم حرام) عن أم المؤمنين أم سلمة t أنها سألت النبي r: «أتصلي المرأة في دِرْع (أي قميص) وخمار (غطاء الرأس) ليس لها إزار؟». فقال: «لا بأس إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها (أي أعلاهما وظاهرهما، وليس أسفلهما)». وهذا الحديث احتجوا به على مذهب أبي حنيفة (والثوري والمزني) الذي أجاز فيه للمرأة إظهار قدمها في الصلاة قياساً على الكف. وليس في الحديث إشارة إلى خارج الصلاة ولا إلى باطن القدم. والحديث أخرجه أبو داود والحاكم مرفوعاً، ولم يصح من هذا الطريق. فقد أخرجه مالك موقوفاً في موطّئِه (1|142) عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة زوج النبي r: «ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟». فقالت: «تصلي في الخمار والدرع السابغ، إذا غيب ظهور قدميها». ورجح الحافظ الدارقطني الموقوف فقال إنه الصواب. ووافقه الحفاظ على ذلك.

وهذا واضحٌ فقد رواه مالك وابن أبي ذئب وهشام بن سعد وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق وأبو عسال محمد بن مطرف والدراوردي عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفاً. ورواه عثمان بن عمر عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة مرفوعاً. وعبد الرحمن هذا ضعيف. ضعفه يحيى، وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به، وقال عنه ابن حجر صدوق يخطئ. وقد خالف الجمع الكبير ممن هم أوثق منه. فمثل هذا الحديث الموقوف ليس بحجة، لأن راوية الحديث –أم حرام– مستورة، قال عنها الذهبي في ميزان الاعتدال (7|477): «لا تُعرَف». ولذلك قال الألباني في "تمام المنة" (ص161): «لا يصح إسناده لا مرفوعاً ولا موقوفاً، لأن مداره على أم محمد بن زيد، وهي مجهولة لا تُعرف».

وأخرج النسائي والترمذي وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول الله r: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة». فقالت أم سلمة: «فكيف يصنع النساء بذيولهن؟». قال: «يرخين شِبراً». قالت: «إذاً ينكشف أقدامهن!». قال: «فيرخينه ذراعاً، لا يزدن عليه». قلت: أصل الحديث صحيحٌ متفقٌ عليه، ولكن زيادة "فقالت أم سلمة..."، فما بعدها هي مدرجة من قول نافع وليس من قول ابن عمر. ولذلك لم يخرجها لا البخاري ولا ومسلم مع إخراجهم لهذا الحديث عن نافع وعن غيره عن ابن عمر t. وهي مرسلة، فقد ذكر ابن الجوزي أنه لا يصح لنافع سماع من أم سلمة أم المؤمنين t.

وللقصة شاهد ضعيف جداً عن أحمد (2|18) وأبي داود (4|65): من طريق زيد العَمّي (ضعيف جداً) عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر قال: «رخّص رسول الله r لأمهات المؤمنين في الذيل شبراً. ثم استزدنه، فزادهن شبراً. فكنّ يرسلن إلينا، فنذرع لهن ذرعاً». وهذا الحديث أنكره ابن عدي في الكامل (3|201).

ولكن للحديث طرقٌ أخرى لا بأس بها، كلها عن نافع. وقد استوعب النسائي هذه الطرق في سننه الكبرى (5|493) مرتبة منسقة مبتدئاً بالرواية الخطأ كعادته. وذكر هذا ابن السني مختصراً في المجتبى (8|209). قال الحافظ ابن رجب في "شرح علل الترمذي" عن سنن النسائي: «تجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث، بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له». وخلاصة هذه الطرق هي:

1– أيوب ويحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة.

3– حماد بن مسعدة عن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت نافعا يقول حدثتنا أم سلمة.

 4– الوليد بن مسلم عن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت نافعا يحدث قال حدثني بعض نسوتنا عن أم سلمة.

5– أيوب بن موسى ومحمد بن إسحاق عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد (امرأة ابن عمر، أخت المختار) عن أم سلمة.

6 – عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة. قال النسائي: مرسل!

7– محمد بن عبد الرحمن بن غنج عن نافع عن أم سلمة. قال النسائي: مرسل. وهذه تشبه الرواية الأولى.

وسماع نافع من أم سلمة t الراجح أنه وهم، والصواب أنه لا يصح له سماعٌ منها. فبقيت روايتين: رواية نافع عن صفية عن أم سلمة، ورواية نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة. وكلتا الروايتين متصلتين، ولكن ظاهر فعل النسائي أن رجح الثانية، وجعلها مرسلة. وهذا عجيب إذ لا أعلم أين الانقطاع فيه. فالحديث إذاً فيه اضطرابٌ، ولكن رجاله ثقات، ونافع ثقة ثبت يجوز عليه تعدد الأسانيد. لكن يبقى في النفس شيء بسبب ترجيح النسائي، والله أعلم.

وأحسن إسنادٍ لهذا الحديث ما رواه مالك في الموطأ برواية يحيى (2|915): عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى بن عمر عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي r أنها قالت حين ذُكِر الإزار: «فالمرأة يا رسول الله؟». قال: «ترخيه شبراً». قالت أم سلمة: «إذاً ينكشف عنها!». قال: «فذراعاً لا تزيد عليه». وأخرجه أبو داود من طريق مالك بلفظه. وأحسن منه ما رواه النسائي في المجتبى (8|209): عن محمد بن عبد الأعلى عن النضر بن سليمان قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت: «سئل رسول الله r كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال: شبراً. قالت: إذاً ينكشف عنها! قال: ذراع لا تزيد عليه». وهاتين الروايتين ليس فيهما ذكر الصلاة ولا ذِكر الرِّجْل، ولعل الذي روي في ذلك في الروايات الأخرى مرويٌّ بالمعنى.

فإذا نظرت لقول الرسول r: "أزرة المؤمن نصف الساق"، زد على ذلك ذراعاً، يتبين لك أنه هو لباس نسائنا الآن ولله الحمد. وقد جاءت الرخصة بزيادة ذراع من نصف الساق، لا أكثر، وهو ليس واجباً. وقد وقع تردد في رواية أيوب عن نافع فجاء بلفظ: "تَخْرُجَ سُوقُهُنَّ" أو قالت "أقدامهن". والذي يظهر أن أم المؤمنين لا تعني القدمين، وإنما تعني انكشاف ما فوق ذلك من الساق. بدليل أنها تقول "ينكشف عنها" دون ذكر القدم. وما فيه ذكر الأقدام، أي يكشفن من تلك الناحية. قال شيخ الإسلام في فتاواه (22|114): «القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة، وهو الأقوى. فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة، قالت: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قالت: "الْفَتْخُ" حَلَقٌ من فِضةٍ تكون في أصابع الرجْلين. رواه ابن أبي حاتم. فهذا دليلٌ على أن النساء كُنّ يُظهرن أقدامهن. أوّلاً: كما يُظهِرن الوجه واليدين، كنّ يُرخين ذُيولَـهُـن. فهي إذا مشت، قد يظهر قدمها. ولم يكنّ يمشين في خِفافٍ وأحذية. وتغطية هذا في الصلاة فيه حرجٌ عظيم». (ص118): «ولو كان ستر اليدين في الصلاة واجباً، لبينه النبي r. كذلك القدمان. وإنما أمر بالخمار فقط مع القميص». وقال (ص119): «ولهذا قلن: "إذاً تبدوا سوقهن". فكان المقصود تغطية الساق، لأن الثوب إذا كان فوق الكعبين بدا الساقُ عند المشي».

و سبب الخلاف في مسألة قدم المرأة هو في قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} هل القدم مما ظهر منها أم لا؟ قال الإمام السّرخسي الحنفي في كتابه المبسوط (10|153): «لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك، فكذلك إلى وجهها وكفها. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يباح النظر إلى قدمها أيضاً. وهكذا ذكر الطحاوي، لأنها كما تبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال، وبإبداء كفها في الأخذ والإعطاء، تبتلى بإبداء قدميها إذا مشت حافية أو متنعلة، وربما لا تجد الخف في كل وقت. وذكر في جامع البرامكة عن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعيها أيضاً، لأنها في الخَبز وغسل الثياب تبتلى بإبداء ذراعيها أيضاً».

 

لا صلاة لحائض إلا بخمار

حديث «لا يقبل الله صلاة حائض (أي امرأة بالغة) إلا بخمار (أي غطاء الشعر)». مرسلٌ، أخرجه أحمد وأصحاب النسائي وابن خزيمة والحاكم من حديث عائشة، وحسنه الترمذي (وهذا دلالة ضعفه). وفيه قتادة وهو مدلّسٌ وقد عنعن. وقد أعله الحاكم بالإرسال، ورجح الحافظ الدارقطني أنه من رواية أيوب وهشام عن ابن سيرين مرسلاً عن عائشة t. وقد أخرج هذه الرواية الراجحة أبو داود في سننه (1|173 #642): حدثنا محمد بن عبيد ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد (بن سيرين، مرسلاً): أن عائشة نزلت على صفية أم طلحة الطلحات (هي صفية بنت الحارث، مجهولة وقيل لها صحبة وفيه نظر). فرأت بنات لها، فقالت إن رسول الله r دخل وفي حُجرتي جارية، فألقى لي حَقْوَهُ وقال: «شُقّيه بشقتَين، فأعطي هذه نصفاً، والفتاة التي عند أم سلمة نِصفاً، فإني لا أراها إلا قد حاضت –أو لا أراهما إلا قد حاضتا–». قال أبو داود: «وكذلك رواه هشام عن ابن سيرين». وهذا حديثٌ منقطعٌ، إذ قال أبو حاتم الرازي: «لم يسمع ابن سيرين من عائشة». وقد أخرج الطبراني بإسنادٍ ضعيفٍ في الصغير والأوسط عن أبي قتادة قال: قال رسول الله r: «لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها، ولا جارية بلغت المحيض حتى تختمر». قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2|52): «رواه الطبراني وقال: تفرد به إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي. قلت: ولم أجد من ترجمه».

واتفق العلماء على وجوب ستر العورة في الصلاة. قال ابن حزم في مراتب الإجماع (1|28): «واتفقوا أن ستر العورة فيها (أي في الصلاة) –لمن قَدِرَ على ثوبٍ مباحٌ لِباسه له– فرض». ولكنهم اختلفوا إن كان ذلك من شروط الصلاة أم لا. بمعنى أن من صلى كاشفاً لعورته فهو آثم، لكن صلاته صحيحة. وهذا قول مالك المشهور وقول الشافعي في القديم. ومثال ذلك الصلاة في الدار المغصوبة، والصلاة في ثوب نجس، والصلاة في ثوب حرير.

وقال كثير من العلماء ببطلان الصلاة. وزعم ابن المنذر الإجماع على ذلك. قال في "الإجماع" (1|41): «وأجمعوا على أن الحرة البالغ تخمر رأسها إذا صلّت. وعلى أنها إن صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة». وهذا إجماعٌ باطلٌ بلا شك. والمسألة خلافية مشهورة في كتب الفقه لا تخفى على طالب علم. قال ابن رشد في "بداية المجتهد" (1|82): «اتفق العلماء على أن ستر العورة فرضٌ بإطلاق. واختلفوا هل هو شرط من شروط صحة الصلاة أم لا؟ وكذلك اختلفوا في حد العورة من الرجل والمرأة. وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنها من فروض الصلاة». وقال ابن العربي في أحكام القرآن عن ستر العورة في الصلاة: «وأما مالك فالمشهور من قوله أنها فرض إسلامي لا تختص بالصلاة. وهو أشهر أقوالنا (أي المالكية)». والمسألة مبسوطة في كتب المالكية.

ويُشترط في اللباس الساتر للعورة أن يستر لون البشرة ولا يكون شفافاً. أما لو لبست المرأة ملابس ضيقة فصلت بها، فصلاتها صحيحة. قال ابن مفلح (تلميذ شيخ الإسلام) في المبدع (1|359) عن الستر في الصلة: «إذا وصف بياض الجلد أو حمرته، فليس بساتر. وإذا ستر اللون ووصف الخلقة –أي حجم العضو–، صحت الصلاة فيه، لأن البشرة مستورة. وهذا لا يمكن التحرّز منه، وإن كان الساتر صفيقاً». وقال النووي في المجموع (3|170): «قال أصحابنا يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يُشاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها، ولا يكفي أيضاً الغليظ المهلهل النسج الذي يُظهر بعض العورة من خلله. فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والإلية ونحوهما، صحت الصلاة فيه لوجود الستر». وفي المغني (1|651): «فإن كان خفيفاً يُبَيِّن لون الجلد من ورائه -فيُعلم بياضه أو حمرته- لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك. وإن كان يستر لونها ويصِف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرّز منه، وإن كان الساتر صفيقاً». ويراجع "الإنصاف" للمرداوي (1|471) و"حاشية الدسوقي" و"الدر المختار" (2|84) وغيرها.

وحجة من قال باشتراط ستر العورة هو قوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد}. قالوا: الزينة هي اللباس. وأجيب عليه بأن هذا يفيد الوجوب ولا يفيد شرطية القبول. وأما من قال بأن ستر العورة سنة لا يُبطِلُ تركها الصلاة، فقد احتج بما يلي:

1– نحن نمنع أن نفي القبول يدل على الشرطية، لأن الله قد نفى القبول عن صلاة الآبِق ومن في جوفه الخمر ومن يأتي عَرَّافاً، مع ثبوت الصحة بالإجماع.

2– ولو تجاهلنا ذلك فإن غاية الحديث (أي الضعيف الذي سبق تخريجه) أن الستر شرطٌ لصحة صلاة المرأة، وهو أخص من إطلاق الدعوى. وإلحاق الرجال بالنساء لا يصح هنا لوجود الفارق، وهو ما في تكشف المرأة من الفتنة. وهذا معنى لا يوجد في عورة الرجل.

3– أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد t قال: «كان الرجال يصلون مع النبي r، عاقدين أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى تستوي الرجال جلوساً». زاد أبو داود: «من ضيق الأزر». وهذا يدل على عدم وجوب الستر فضلا عن شرطيته.

4– أخرج البخاري وغيره عن عمرو بن سلمة t حديثاً قال فيه: «فكنت أؤمهم وعليَّ بُرْدَةٌ مَفْتُوقَةٌ. فكنت إذا سجدْتُ تَقَلَّصَتْ عنّي». وفي رواية: «خرجت اسْتِي. فقالت امرأةٌ من الحي: ألا تُغطوا عنا أسْتَ قارئكم؟». وأجابوا عليه بأنه كان صغيراً.

فالحق أن ستر العورة في الصلاة واجبٌ فقط كسائر الحالات، لا شرطٌ يقتضي تركه عدم الصِّحة.