الخصائص الحديثية لكل بلد من البلدان

قال الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (2|286): «أصحُّ طرق السنن: ما يرويه أهل الحرمين –مكة والمدينة–. فإن التدليسَ فيهم قليل. والاشتهارَ بالكذبِ ووضعَ الحديث، عندهم عزيز». قلت: وغالب الكذب في أحاديث أهل الحجاز هو من الموالي الفرس. فقد يثق بهم البعض كونهم موالي للصحابة فيوثقهم ويأخذ عنهم. قال الخطيب ما مختصره: «ولأهلِ اليمن روايات جَيّدة وطُرُقٌ صحيحة، ومَرجِعُها إلى الحجاز أيضاً، إلا أنها قليلة. وأما أهل البَصْرة فلهم من السُّنَنِ الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم، مع إكثارهم وانتشار رواياتهم. والكوفيون كالبصريين في الكَثرة. غير أن رواياتهم: كثيرةُ الدَّغَل (هو دَخَلٌ في الأمر مُفْسِد)، قليلةُ السلامة من العِلَل. وحديثُ الشاميين أكثره مَراسيلٌ ومَقَاطيع. وما اتَّصَلَ منه مما اسنده الثِّقاتُ، فإنه صالح. والغالب عليه ما يتعلّق بالمواعظ وأحاديث الرَّغائِب (قلت: هذا لأنهم أهل جهادٍ وغزو). وللمصرييّن روايات مستقيمة، إلا أنها ليست بالكثيرة». قلت: قلتها بسبب قلة الصحابة الذي استوطنوا مصر.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20|316): «اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصحَّ الأحاديث: أحاديث أهلُ المدينة، ثم أحاديث أهل البصرة. وأما أحاديث أهل الشام، فهي دون ذلك. فإنه لم يكن لهم من الإسناد المتصل وضبط الألفاظ ما لهؤلاء. ولم يكن فيهم –يعني أهل المدينة ومكة والبصرة والشام– من يُعرَفُ بالكذب (قلت: كان فيهم بعض الموالي الكذابين) لكن مِنهم من يَضبُط، ومنهم من لا يضبط (أي لا يحفظ الحديث ويضبط لفظه). وأما أهل الكوفة، فلم يكن الكذب في أهل بلدٍ أكثر منه فيهم. ففي زمن التابعين، كان بها خلقٌ كثيرون، مِنهم معرفون بالكذب، لا سيما الشيعة فإنهم أكثر الطوائف كَذِباً باتفاق أهل العِلم. ولأجل هذا يُذكَرُ عن مالك –وغيره من أهل المدينة– أنهم لم يكونوا يحتجّون بعامة أحاديث أهل العراق لأنهم قد علِموا أن فيهم كذّابين. ولم يكونوا يميّزون بين الصادق والكاذب. فأما إذا علموا صِدقَ الحديث، فإنهم يحتجّون به».

قال هشام بن عُرْوة بن الزبير: «إذا حدّثَكَ العراقيُّ بألف حديث، فألقِ تسعمئةٍ وتسعين، وكن من الباقي في شَك». وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب "الإرشاد" (1|420): «لأهل الكوفة من الضعفاء ما لا يُمكن عدُّهم. قال بعض الحفاظ: تأمّلتُ ما وضعه أهل الكوفة في ‏فضائل علي وأهل بيته، فزاد على ثلاثمئة ألف». وعلق على هذا الإمامُ ابن القيم في المنار المنيف (ص161): «ولا تستبعد هذا. فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال». ثم روى الخليلي بإسناد جيد عن محمد بن إدريس –ورّاق الحُمَيدي– (من أهل الصدق) قال: «قال أهل ‏المدينة: وضعنا سبعين حديثاً نجرّب بها أهل العراق، فبعثنا إلى الكوفة والبصرة. فأهل البصرة ردوها إلينا ولم يقبلوها، ‏وقالوا هذه كلها موضوعة. وأهل الكوفة ردوها إلينا، وقد وضعوا لكل حديث أسانيد!!».‏ وقال ابن عدي في الكامل (2|218): «الغالب في الكوفيين التشيّع»‏. وجاء في "المعرفة و التاريخ" (2|806): «قَلّما كان يُرى كوفيٌّ ليس له ميول شيعية».‏ وجاء في السنة للخلال (2|395): «أهل الكوفة يفضلون علياً على عثمان».

وهذا ليس مقصوراً على الكوفة فحسب (وإن كانت مركز التشيع)، بل امتد التشيع ليشمل سائر العراق. وصح عن الإمام أحمد أنه قال: «كان عامة أهل "واسط" يتشيّعون»، رواه الخلال في "السنة" (2|394) بإسناد صحيح. وروى عنه أبو طالب أحمد بن حميد قوله: «أهل البصرة يغلون في علي». وامتد التشيع ليشمل بلاد الفرس كذلك، خاصة خراسان التي هي مركز الشعوبية والحقد ضد العرب. ولذلك اختارها العباسيون لتكون مركز ثورتهم ضد الأمويين.

وقال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص111): «وأكثر المحدثين تدليساً أهل الكوفة، ونفَرٌ يسيرٌ من أهل البصرة». ولذلك اشتهر عند العراقيين كشعبة بن الحجاج وغيره الاهتمام بالتدليس والمدلّسين. أمّا الحجازيين والشاميين فقلّ عندهم التدليس. حتى قيل أنّ أوّل من أعلم الشاميين بوجود التدليس هو الزهري. ولكن الإرسال عند الشاميين كثير، لندرة الكذب بينهم. قال ابن أبي حاتم عن أحد الشاميين القدماء: «أحاديثه مراسيل». قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4|488): «يعني أنه يرسل عمن لم يلقه، كعوائد الشاميين. إنما اعتنوا بالإسناد لما سكن فيهم الزهري ونحوه». يشير إلى ما قاله الوليد بن مسلم: خرج الزهري فقال: «يا أهل الشام. ما لي أرى أحاديثكم ليست لها أزمَّة ولا خطم؟». قال الوليد: «فتمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ». وقد كان في الحجاز من يدلس، من أمثال أبي الزبير و ابن جريج، لكن هذا قليل. أما الإرسال عند قدمائهم فأكثر، من أمثال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (13|346): «أعلم الناس بالمغازي: أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق. فأهل المدينة أعلم بها، لأنها كانت عندهم. وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد، فكان لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم. ولهذا عَظَّمَ الناس كتاب أبي إسحاق الفزاري الذي صنفه في ذلك. وجعلوا الأوزاعي أعلم بهذا الباب من غيره من علماء الأمصار».‏ وقد ذكر حسين عطوان في كتابه "رواية الشاميين للمغازي والسير" أمثلة كثيرة على ذلك.

ومما يذكر هنا أن الكذب في الشاميين والحجازيين نادر. لكن من قدماء الشاميين من لا يضبط ألفاظ الحديث مع صدقه وصلاحه. أما في عهد الزهري فصار رجال الشام يعتنون بضبط ألفاظ الأحاديث. قال د. عطوان (ص178): «أما تلاميذ الزهري فهم أهل ضبط وحفظ. واعتّدَّ تلاميذ الزهري من أهل الشام بالحفظ والرواية، فكانوا مشهورين بدقة الحفظ وجودة الرواية عنه. واعتدّوا كذلك بالتقييد والكتابة، فدوّنوا ما سمعوه منه، وصنفوه في كتبٍ مستقلة».

أما مدرسة الحديث في البصرة، فقد تكلم عنها الدكتور محمد أمين القضاة في كتابه "مدرسة الحديث في البصرة حتى القرن الثالث الهجري". وقد ذكر (ص365) وما بعدها معالم هذه المدرسة. قال: «وكذلك فإنا لا نكاد نجد رأياً انفرد به البصريون كلهم، عن سائر علماء الأقطار الأخرى». ثم ذكر أن منهج البصريين وجوب ذكر حال الراوي. وذكر أن منهج علماء الحديث في البصرة في الجرح والتعديل يغلب عليه التشدد. وذكر أن للبصريين مذهب مستقل في السن التي يصح عندها سماع الصغير، وهي العاشرة. وذكر أن مذهب أكثر أهل البصرة في مسألة العرض على العالم أن القراءة أفضل من السماع. وذكر حكم الرواية بالمعنى، واختلاف أهل البصرة في ذلك. وذكر منهج البصريين في الأخذ عن أهل البدع وهو: قبول خبر غير الدعاة من أهل الأهواء، فأما الدعاة فلا يحتج بهم. وهو ما نقل عن كثير من علماء البصرة. وذكر حكم استفهام الكلمة والشيء من غير الراوي كالمستملي، ونقل عن علماء البصرة جوازه. وذكر حكم رواية من لم يره، فذكر أن شعبة لا يجيز ذلك، بينما ذهب جمهور أهل البصرة إلى الجواز.

الفوارق اللغوية بين مدرستي الكوفة والبصرة

كانت البصرة أقرب إلى البوادي من الكوفة، ولذلك فصُح إعرابُها، وتميّز أهلها بالصحيح، وكانت مثابة الجّفاة الخّلص من أعراب البادية. وبها نشأ علم النحو، ووصل إلى ذروته على يد أبي عمرو بن العلاء (صاحب القراءة المشهورة) ثم على يد تلميذه الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ|791م)، ثم تلميذه سيبويه صاحب أشهر كتاب في النحو، ثم يأتي بعده أبو العباس المبرد.  فالبصرة أول مدينة عنيت بالنحو واللغة وتدوينها، واختراع القواعد لها. حتى أتت الكوفة بعدها بنحو مئة عام كي تؤسس مذهباً خاصاً بقيادة الكسائي (صاحب القراءة المشهورة) يضاهي مذهب البصرة وينازعه. وتتلمذ نحويو الكوفة بالبصرة أولاً ثم استقلوا بمذهبهم الخاص. قال ابن النديم: «قَدَّمنا البصريين أولاً، لأن علم العربية عنهم أُخذ».

كان أكثر أهل الكوفة من عرب اليمن. وكان يطرأ عليها ضعاف الأعراب، علاوة على أنها كانت قريبة من الفرس، حيث كثر فيها الموالي. لذا لانت جوانب ألسنة أهلها، واعتراها الشاذ من الكلام. وتميزت مدرسة الكوفة بالتساهل في الرواية، والاتساع في القياس، حتى على شواذ الأبيات الشعرية، ثم بالمخالفة في المصطلحات النحوية وما يتصل بها من العوامل. وقد قام الكسائي (صاحب القراءة) وتلميذه الفراء بوضع أسس وأصول النحو الكوفي، بحيث صار مقابلا للنحو البصري، مع المحافظة على الأركان العامة للنحو. لهذا امتاز لسان البصريين عن لسان الكوفيين؛ لأنهم أخذوه من منبعِه الأصلي، وهو لسان الأعراب الأقحاح، يقول الرِّياشي أبو الفضل البصري، وهو يلمز الكوفيين: «إنما أخذنا اللغة من حَرَشَةَ الضِّباب وأكَلَة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة من أهل السواد أكَلَة الكواميخ والشَّواريز». ويقول أبو محمد اليزيدي البصري:

كنَّا نَقِيسُ النحوَ فيما مَضى ** على لسانِ العَرَبِ الأوَّلِ
فجاءَ أقوامٌ يقيسُونَهُ ** على لُغَى أشياخ قُطْرُبُلِ

فمدرسة أهل البصرة فيها العلماء المحافظون المتأثرون بمدرسة الحجاز. فكانوا لا يقبلون في اللغة إلا ما كان شائعاً منتشراً بين العرب وبخاصة عرب الحجاز. ولا مجال في اللغة للتعديل أو التبديل. أما مدرسة أهل الكوفة فهي أكثر انفتاحاً إلى درجة قبول كل ما ورد عند الأعراب من بينات وشواهد مهما كان أصلها. وبالتالي وقع بعض الشذوذ والتوسع في هذه المدرسة. فأحياناً يكون الصواب مع مدرسة البصرة، وأحياناً أخرى يكون الصواب مع مدرسة الكوفة. مع العلم أن أهم النحويين المتأخرين ابن مالك و ابن هشام يأخذان بمذهب البصرة في معظم المسائل، ويندر أن يختارا الوجه الكوفي.

بعض ما جاء في ذم حديث أهل الكوفة

قال أبو داود في السؤالات (141 و142): سمعت أحمد يقول: «أهل الكوفة ليس لحديثهم نور، يذكرون الأخبار».

سمعت أحمد قال: قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: «أهل الكوفة ليس يُبصرون الحديث». فقال: «كيف؟!». ثم لقيته بعد ذلك، فقال لي: «وجدتُ الأمر على ما قلتَ». قال أحمد: «كانوا يسألونه عن رأي حماد، والزهري، وأحاديث الصغار».

روى ابن سعد في الطبقات (ص171 القسم المتمم) والفسوي في المعرفة (2|761) وأحمد بن أبي خيثمة في التاريخ (2|395) من طرق عن عبد الرزاق، قال: أنا معمر، قال: سمعت الزهري يقول: «يخرج الحديث شبراً، فيرجع ذراعاً –يعني من العراق، وأشار بيده–، إذا أوغل الحديث هنالك فرويدا به».

وقال الفسوي (2|756): حدثنا أبو بكر الحميدي حدثنا يحيى بن سليم (صدوق سيء الحفظ، لكن حدث الحميدي من كتابه) قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان (صدوق) يحدث عن الزهري قال: قالت عائشة: «يا أهل العراق، أهل الشام خير منكم: خرج إليهم نفر من أصحاب رسول الله كثير، فحدثونا بما نعرف. وخرج إليكم نفر من أصحاب رسول الله قليل، فحدثتمونا بما نعرف وما لا نعرف».

قال وقال الزهري: «إذا سمعت بالحديث العراقي فاردد به ثم اردد». وقال البيهقي [كما عند ابن عساكر 1|327]: فأرود به، ثم أرود به. وهو الصواب.

حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد الملك بن محمد (فيه خلاف) ثنا زهير قال: قال لي هشام بن عروة: «يا زهير، إذا حدثك العراقي ألف حديث، فاطرح تسع مئة وتسعة وتسعين حديثاً، وكن من الباقي في شك».

وقال حدثنا عبد الملك قال سمعت الأوزاعي يقول: «كانت الخلفاء بالشام. فإذا كانت بلية. سألوا عنها علماء أهل الشام وأهل المدينة. وكانت أحاديث أهل العراق لا تجاوز جدر بيوتهم. فمتى كان علماء أهل الشام يحملون عن خوارج أهل العراق؟!».

سمعت الحسن بن الربيع (جيد) قال: سمعت ابن المبارك يقول: «ما رحلت إلى الشام، إلا لأستغني عن حديث أهل الكوفة».

حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن أبي خالد (ثقة ثبت) عن قرة العجلي عن عبد الملك ابن أخي القعقاع أبي ثور قال حججت فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن أشياء فزبرني وزجرني فلما قضيت نسك حجتي قلت لآتينه فلأسلمن عليه فأتيته فقلت: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن جئت من شقة بعيدة وأريد أن أسألك عن أشياء. فزبرتني وزجرتني ولا أراك إلا قد أنميت في جنبي فقال: «إنكم –معشر أهل العراق– تروون عنا ما لا نقول».
حدثني عبد العزيز بن عبد الله الأويسي (ثقة) حدثنا إبراهيم بن سعد (ثقة ثبت) عن خالته ابنة سعد بن أبي وقاص قالت: سألت سعد بن أبي وقاص عن شيء فاستعجب، فقيل له في ذلك فقال: «إني أكره أن أحدثكم حديثاً فتجعلونه مئة حديث». [ابن أبي خيثمة 3|6]
حدثني محمد بن يحيى ثنا سفيان عن الزهري قال: «إذا أوغل الحديث هناك –يعني العراق– فاردد به».
حدثني سعيد بن أسد (بن موسى) حدثنا ضمرة (جيد) عن رجاء بن أبي سلمة (ثقة) عن الزهري قال: «لا يزال يُعرف الحديث، ما لم يقل هاهنا»، وأومأ بيده إلى العراق.
حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل (ثقة) حدثنا حماد بن زيد (ثبت) والنعمان بن راشد (ضعيف) قال: سمعت الزهري يحدث حديث المجذوم، فقلت: يا أبا بكر من حدثك؟ قال: أنت حدثتنيه. ممن سمعته؟ قلت: من رجل من أهل الكوفة. قال: «أفسدته. إن في حديث الكوفة دعاءا كثيرا».

وقال الفسوي في (المعرفة 2|762): حدثنا العباس حدثنا سليمان بن أيوب الهاشمي (لم أعرفه) عن إبراهيم بن سعد قال: «لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها، ما كتبت حديثنا (أهل المدينة) ولا أذنت في كتابته». حدثنا أبو اليمان (ثقة ثبت) ثنا حريز بن عثمان (ثقة ثبت) عن عبد الرحمن بن ميسرة (من الوحدان) عن أبي عذبة الحمصي (لم أعرفه) قال: قدمت على عمر بن الخطاب رابع أربعة من الشام ونحن حاج، فبينا نحن عنده أتاه آت من قبل العراق، فأخبر إنهم قد حصبوا إمامهم، وقد كان عمر عوضهم منه مكان إمام كان قبله، فحصبوه، فخرج إلى الصلاة مغضباً فسها في صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: من ها هنا من أهل الشام ؟ فقمت أنا وأصحابي فقال: يا أهل الشام تجهزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، ثم قال: اللهم إنهم قد لبسوا علي فلبس عليهم، وعجل لهم الغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. رواه أبو صالح (كاتب الليث) أخبرني معاوية بن صالح عن شريح بن عبيد (ثقة) عن أبي عذبة الحضرمي.

وقال الترمذي: سمعت الجارود (بن معاذ السلمي، ثقة مرجئ) يقول: سمعت وكيعاً يقول: «لولا جابر الجعفي، لكان أهل الكوفة بغير حديث». (الجامع، المعروف بالسنن رقم 206) وسنده صحيح. وجابر من غلاة الشيعة، وقد ذكر أبو حنيفة أنه ما لقي أكذب منه.

وروى أبو العرب التميمي عن وكيع قال: «كأن النبي الذي بالكوفة غير النبي الذي أرسله الله». (ورقة بخط أبي العرب بالمكتبة العتيقة بالقيروان، نقلها المستشرق ميكلوش موراني). و وكيع من أئمة محدثي الكوفة.

قال المغيرة بن مقسم: «لم يكن يصدق على علي t -يعني في الحديث عنه- إلا أصحاب عبد الله بن مسعود». أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (1|249): «والكذب كان قليلا في السلف. أما الصحابة، فلم يعرف فيهم ولله الحمد من تعمد الكذب على النبي، كما لم يُعرف فيهم من كان من أهل البدع المعروفة كبدع الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، فلم يُعرف فيهم أحد من هؤلاء الفرق... وأما التابعون فلم يُعرف تعمد الكذب في التابعين من أهل مكة والمدينة والشام والبصرة، بخلاف الشيعة (خاصة في الكوفة) فإن الكذب معروف فيهم. وقد عُرِفَ الكذب بعد هؤلاء في طوائف. وأما الغلط فلا يسلم منه أكثر الناس. بل في الصحابة من قد يغلط أحياناً، وفي من بعدهم. ولهذا كان فيما صُنّف في الصحيح أحاديث يعلم أنها غلط، وإن كان جمهور متون الصحيحين مما يُعلم أنه حق».