نقد الحديث بين المعتزلة والحشوية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد. أما بعد

 

فإن كثيراً من الناس من يظن منهج قبول الروايات الحديثية هو بالنظر المُجرّد إلى إسناد الحديث (وبخاصة صدق رجاله) فقط. وهو أمر سار عليه عدد من العلماء المتأخرين الذين هم أقرب للفقه منهم للحديث. لكن من تأمل حال الأئمة المتقدمين وجد أن نقدهم يشمل الحديث كله، سنداً ومتناً. فهذا هو المنهج السني الصحيح في نقد الأخبار.

 

وأما المعتزلة (منذ بدايتها على يد عمرو بن عبيد) فتقتصر على نقد المتون (من حيث المعنى فقط) ولا تبالي بالإسناد. بل حتى النقد المتني يقتصر على المعنى حيث لا يقبلون بالحديث الذي يخالف هواهم. أما النقد المبني على تعارض المتن مع فقه الصحابي الراوي أو مع غيره من الأحاديث، فلم أجده عندهم.

 

وبالمقابل هناك طائفة الحشوية تقتصر على نقد الأسانيد. فإن كان الإسناد ظاهره الصحة، قبلوا الحديث مهما كانت نكارته. فتجدهم يبذلون الجهد البالغ في تأويله والجمع بينه وبين الأحاديث المعارضة. وغالباً ما ترى هذا مرتكزاً على تأويلات باردة. وأحيانا لا يكون الإسناد واهياً، فيقولون حسن بمجموع طرقه! وربما يعارضون به ما جاء في الصحيحين. وهذه الفرقة تنتسب إلى أهل السنة، لكن منهجها في هذا الشأن يخالف منهج السلف الأوائل.

 

قال ابن حبان في مقدمة كتابه "المجروحين" (ص12) عن علماء الحديث في عصره: «صاروا حزبين: فمنهم طلبة الأخبار الذين يرحلون فيها إلى الأمصار، وأكثر همتهم الكتابة، والجمع دون الحفظ، والعلم به وتمييز الصحيح من السقيم، حتى سماهم العوام: "الحشوية". والحزب الآخر: المتفقهة الذين جعلوا جل اشتغالهم بحفظ الآراء والجدل، وأغضوا عن حفظ السنن ومعانيها، وكيفية قبولها وتمييز الصحيح من السقيم منها، (مع) نبذهم السنن قاطبة وراء ظهورهم».

 

فإن منهج السلف هو التعامل مع الحديث ككل بدون فصل السند عن المتن. والله الموفق بمنه وفضله.