حكم السحاق

معنى السحاق: فعل النساء بعضهن ببعض. والمراد به في أصل اللغة مطلق الدلك. ويعني في مصطلحنا اليوم: الشذوذ الجنسي عند النساء. وأول من شهر هذه الفاحشة في الغرب هي الشاعرة الإغريقية سافو (560–630 قبل الميلاد) حتى أن اسم تلك الفاحشة في لغتهم هو "ليزبيان" وهو اسم جزيرة سافو. وأما من شهرها بين العرب فهي "المتجردة". إذ لما جاءت رقاش بنت الحسن اليمانية مرة لزيارة المتجردة هند بنت عامر بن صعصعة (زوجة النعمان بن المنذر المنظر بن الأسود بن ماء السماء ملك الحيرة) وافدة عليها، فأنزلتها عندها. وكانت ذات حسن ونضارة فشغفت بها. وكان النعمان يغزو فيغيب عن امرأته، فتكون هي ورقاش على فراشه، فربما التصق جسداهما، فوجدتا لذة لطول العزوبة، حتى استدلتا على طريق المساحقة. فما زالت رقاش، تزين لهند وقالت: إن في اجتماعنا أمناً من الفضيحة، وإدراك الشهوة. فاجتمعتا واستمر بهما ذلك حتى أصبحن كزوج وزوجة. وبلغ من شغف كل واحدة بالأخرى أنه لما ماتت ابنة الحسن، اعتكفت امرأة النعمان على قبرها واتخذت الدير المعروف بدير هند في طريق الكوفة. وفيها يقول الفرزدق مخاطباً جرير بن عطية يهجوه:

وفيت بعهد كان منك تكرماً     *    كما لابنة الخس الإيادي وفت هند

وعندما قتل ملك الفرس كسرى: النعمانَ بن المنذر، فرّت أسرته وبناته وظلت تستجير بأحياء العرب، فلم يجيروهم حتى بعد نحو ثلاثين سنة، آوت الحرقاء إلى دير هند الذي بنته المتجردة للنياحة على عشيقتها رقاش وقد شاخت وعميت.

وهنا حادثة شهيرة أحب أن إذكرها: إذ أن امرأة النعمان المسماة بالمتجردة، كانت تحت المنذر ثم ورثها ابنه النعمان بعد موت أبيه على عادة العرب في نكاح نساء الآباء بعد موتهم. وكان النعمان يجلسها أحياناً بين نديميه النابغة الزبياني و المنخل اليشكري، فشغفت بالمنخل وأحبته وأحبها. وطلب النعمان من النابغة أن يصفها في شعره وصفاً فائقاً يشمل كل محاسنها، فأجابه لذلك. فرآها يوما تغتسل في البستان وقد خرجت من الماء وقد سقط نصيفها فاستترت بيديها، فأعجبه ذلك منها، وأنشأ فيها قصيدته التي فيها:

سَقَطَ النَّصِيفُ، وَلَم تُرِد إِسقاطَهُ   *    فَتَناوَلَتهُ وَاِتَّقَتنا بِاليَدِ

قال أَبو سعيد: «النَّصِيْفُ: ثَوْبٌ تَتَجَلَّلُ به المَرْأةُ فَوْقَ ثِيابِها كلها. وسُميَ نصيفاً لأنَه نَصَفَ بَيْنَها وبَيْنَ الناسِ فَحَجَزَ أبْصَارَهم عنها». قال: «والدليل على صحة ما قاله قول النابغة: "سقط النصيف"، لأَن النصيف إذا جعل خِماراً فسقط، فليس لستْرِها وجهَها مع كشفِها شعَرها معنىً». انظر المحيط في اللغة ولسان العرب وجمهرة اللغة وتاج العروس. فلما قرأها على النعمان أُعجب بها وأمر له بجائزة وأموال فحسده عليها المنخل اليشكري وقال: أبيت اللعن هذا وصف معاين وأغرى النعمان بقتله ففر بدمه وهرب. واتفق أن النعمان رجع من الصيد مرة ودخل قصره بغتة، فوجد المنخل مع زوجته المتجردة. فضرب عنقه، وهكذا من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. والعجيب أن هذه القصة يكثر أنصار النقاب الاستشهاد بها، والاحتجاج بفعل المتجردة على وجوب تغطية المرأة لوجهها. وكيف تصبح تلك السحاقية الزانية حجة في دين الله؟!

وقد أجمع العلماء كلهم على تحريم السحاق، وإن لم يكن عند أكثرهم مثل الزنا. روى مسلم في صحيحه (1|266) من حديث أبي سعيد الخدري r قال: قال رسول الله r: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة. ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد. ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد». وهذا نص جلي على تحريم مباشرة الرجل الرجل والمرأة المرأة على السواء. فالمباشرة منها لمن نهى عن مباشرته، عصيان لله عز وجل وارتكاب للحرام.

قال عبد الرزاق في "المصنف" (7|334 #13383): أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب قال: «أدركت علماءنا يقولون في المرأة تأتي المرأة بالرفغة وأشباهها: تجلدان مئة مئة، الفاعلة والمفعولة بها». وقال (#13384): عن معمر، عن الزهري -في المرأة تأتي المرأة بالرفغة- قال: «تجلدان كل واحدة منهما مئة». أي أنه قاس ذلك على الزنا، وليس بقياس صحيح. ولذلك قال ابن حزم في المحلى (11|391): «وإذ لم يأت بمثل قول الزهري قرآن ولا سنة صحيحة والحدود، فلا حد في هذا أصلاً». ثم قال: «فإذ قد صح أن المرأة المساحقة للمرأة عاصية، فقد أتت منكراً. فوجب تغيير ذلك باليد كما أمر رسول الله r: "من رأى منكراً أن يغيره بيده". فعليها التعزير».

أما إتيان البهيمة، فحرام بالإجماع. وفاعله يستحق التعزير. قال ابن حزم في المحلى (11|388): «ولا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يحل أن تؤتى البهيمة أصلاً. ففاعل ذلك منكر. وقد أمر رسول الله r بتغيير المنكر باليد. فعليه من التعزير ما نذكره».