تجمع المصادر العربية على أن رسول الله (r) كان يأمر بكتابة كل ما ينزل عليه من آيات. وكان يتولى كتابة الآيات أربعةٌ لا يُختلف فيهم أُبَيُّ بن كعب ومُعاذ بن جبل و زيد بن ثابت وأبو زيد، وكلهم من الأنصار. واختلفوا في رجلين من ثلاثة هما أبو الدرداء وعثمان. ومع أن تلك الآيات كانت مفرقة، إلا أن المجموعة منها سميت لاحقاً بالمصحف. ويعتبر أبو بكر الصديق (t) أول من جمع القرآن بين اللوحين (في خلافته) بعد أن كان متفرقاً في قطع من العظم والعسب والحجر والجلد. وأودع المصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب في حياته ثم عند حفصة بنت عمر التي كانت تجيد القراءة والكتابة.
وفى خلافه عثمان، فقرر –بناءً على نصيحة حذيفة بن اليمان– جمع القرآن في نسخ موحدة، بسبب كثرة اختلاف الناس في القراءات. وبعث إلى أم المؤمنين حفصة أن ترسل مصحف أبي بكر ليأمر بنسخه. وأسند عثمان بن عفان إلى زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (رضي الله عنهم) مهمة نسخ المصحف. ولما فرغ النساخ من نسخ المصحف وكتابته، أمر عثمان (t) بإحراق ما عداه من مصاحف خاصة كان يحتفظ بها الصحابة، كانت على خلاف العرضة الأخيرة الناسخة لما يخالفها. والأرجح أن ذلك تَم سنة 30 هـ.
واختلف العلماء في عدد تلك المصاحف العثمانية. فقيل أن المصاحف أربعة وقيل خمسة وقيل ستة وقيل سبعة وقيل ثمانية بل قيل تسعة! وجمهور العلماء على أنها أربعة أو خمسة فقط.
المصحف الإمام، وهو المصحف الذي احتبسه عثمان t لنفسه، وينقل عنه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم.
المصحف المدني، وهو المصحف الذي كان بأيدي أهل المدينة، وعنه ينقل الإمام نافع. وقيل أن هذين (الإمام والمدني) هما مصحف واحد، وهو الأشهر والأصح.
المصحف الشامي.
المصحف الكوفي.
المصحف البصري.
المصحف المكي. وهو مختلف فيه.
المصحف الإمام
ولا خلاف في أن المصحف الإمام بقي مع عثمان حتى دخل عليه المجرمون بيته، وقتلوه (عام 35 هجري) وهو يقرأ به، وتناثرت قطرات من دمائه على بعض ورقات مصحفه. منها قطرات على قوله عز وجل {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}. ثم بعد ذلك اختلفوا بعدة آراء، أصحها أن مصحف عثمان ظل محفوظا لدى حفيده خالد بن عمرو بن عثمان، الذي كان أيضاً قريباً لمعاوية من جهة الأم. ثم إن أن دار عثمان آلت إلى عمرو بن عثمان وأخوته. وكان عمرو أكثر أولاد عثمان اهتماما بدار أبيهم. وفى ذلك ما يشير إلى أن ولده خالد بن عمرو نشأ في هذه الدار وأقام بها. وقد بقي هذا المصحف في آل عثمان، إلى أن استولى عليه العباسيين. ويظهر أن هذا حدث في فتنة النفس الزكية سنة 145هـ.
قال أبو بكر بن أبي داود في "المصاحف" (ص 44): حدثنا أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب قال: سألت مالكاً (ت 179هـ) عن مصحف عثمان t فقال: «ذهب». يقصد من المدينة. لكن هذا المصحف بقي موجوداً في مطلع القرن الثالث الهجري، كما يقول أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي (ت 222هـ): «رأيت المصحف الذي يقال له الإمام، مصحف عثمان بن عفان t. استُخرج لي من بعض خزائن الأمراء. وهو المصحف الذي كان في حجـره حين أصيـب». ويقال كذلك بأن يعقوب بن شيبة بن الصلت رأى مصحف عثمان سنة 223 هـ. وقد بعث به الخليفة العباسي المعتصم لتُجَدّد دفّتاه ويُحَلّى. وأنه شاهد فى أوراق كثيرة أثر دم كثير. وأن أكثر هذا الدم في سورة النجم، وعلى قوله تعالى {فسيكفيكهم الله}. وألفى أن طول المصحف يبلغ نحو شبرين وأربعة أصابع، وأن كل ورقة تشتمل على 28 سطراً.
ولا يعرف مصير هذا المصحف. ويرجح البعض فقدان هذا المصحف لأربع صفحات منه، أثناء فتنة الأمين والمأمون. لكن من المستبعد أن يكون قد فُقِد لأنه بقي لعهد المعتصم. فالظاهر أن المصحف الإمام قد بقي يتوارثه الخلفاء العباسيون، إلى عهد الغزو المغولي لبغداد. وبعد ذلك فُقِد.
المصحف الشامي
ومن المؤكد أن المصحف الشامي قد بقي في بلاد الشام حتى وقت متأخر جداً، وقد كان
معروفاً. فقد رآه ابن جبير (540-614هـ)، وشاهده ووصفه الهروي (سنة 611هـ)
وشاهده أبو القاسم التجيبي السبتي (سنة 697هـ)، وكذلك ابن فضل الله العمري فى القرن
الثامن الهجري.
والحافظ ابن كثير (ت 774هـ) يقول في "فضائل القرآن" (ص49): «وأما المصاحف العثمانية
الأئمة: فأشهرُها اليوم الذي في الشام بجامع دمشقَ عندَ الركن شرقيَّ المقصورة
المعمورة بذكر الله. وقد كان قديما في طبريّة، ثم نُقل منها إلى دمشق في حدود ثماني
عشر وخمسمئة (518هـ). وقد رأيته كتاباً جليلاً عظيماً ضخماً، بخطٍّ حسنٍ مبين قويّ،
بِحِبرٍ محكَمٍ، في رق أظنه من جلود الإبل». وقد ذكر ابنُ بطوطة (المتوفَّى سنة
779هـ) أنه رأى هذا المصحف الذي أرسله عثمانُ إلى الشام، فقال عن جامع دمشق: «وفي
الركن الشرقي منها إزاءَ المحراب خزانةٌ كبيرةٌ، فيها المصحف الكريم الذي وجهه
أميرُ المؤمنين عثمان بن عفان
t إلى الشام».
وكان الجامع الأموي في دمشق يضم نفائس كثيرة، منها مصحف عثمان، الذي كانت له خزانة خاصة به إلى جانب المحراب، وظل حتى الحريق الأخير، الذي أتى على كل شيء في الجامع، وذلك سنة 1310 هجرية الموافقة لسنة 1893 ميلادية. ولعل ما ذكره الأستاذُ محمد كرد علي عن المصحف الشامي الذي احترق في سنة 1310هـ يؤكِّد بقاء مصحف عثمان بعينه حتى ذلك التاريخ، حيث يقول عن الجامع الأموي: «حتى إذا كانت سنة 1310هـ، سرَتِ النارُ إلى جذوع سقوفه فالتهمتْها في أقل من ثلاث ساعات. فدثر آخر ما بقي من آثاره ورياشه، وحرق فيه مصحف كبير بالخط الكوفي كان جيء به من مسجد عتيق في بُصرى (في سهل حوران جنوب دمشق، وقريبة من طبرية أيضاً). وكان الناسُ يقولون: إنه المصحف العثماني».
أما الكوثري فقد نقل كلاماً غير دقيق عن هذه المسألة، فقال: «وأما مصحف الشام، فهو
الذِي كان بطبرية ثم نُقِلَ إلى دمشق. وكان محفوظًا في مسجد التوبة في عهد ابن
الجزري. ثم استمر محفوظاً في حجرة الخطيب بالجامع الأموي إلى الحرب العامة أيضاً.
ثم نُقِلَ فيما نُقِلَ إلى العاصمة (أي إسطمبول). وكان الشيخ عبد الحكيم الأفغاني
الدمشقي -العالم المشهور- من أهل عصرنا، أُلْهِمَ نسخ القرءان من المصحف الدمشقي
على طبق رسمه، قبل وفاته بسنوات قلائل وقبل الحرب العامة. كأنه كان أحس أن المصحف
الشامي يُنقل من هناك. فأتم نسخه على طبق رسمه بيده الكريمة. ومصحف عبد الحكيم هذا،
محفوظ عند بعض أصحابه بدمشق إلى اليوم».
المصحف الكوفي
لم يرد عن هذا المصحف إلا القليل جداً، رغم اهتمام الكوفيين بالقرآن. ويظهر أنه قد فُقِد في وقت مبكر في إحدى الفتن الكثيرة التي عصفت بالكوفة. لكن روي عن المقرئ حمزة الزيات قال: «كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بِمصحفٍ منها إلى الكوفة، فوُضِع عند رجل من مُرادٍ، فبقي حتى كتبتُ مصحفي عليه». كذا في دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 11. والله أعلم بسنده.
قال الكوثري: «ومصحف الكوفة
من بين تلك المصاحف -كما يذكره السجقلِي- هو المصحف الذِي كان محفوظاً
بطرطوس -أمام جزيرة أرواد- قرب طرابلس الشام في عهد العلم السخاوي. ثم نُقِلَ إلى
قلعة حمص. ويصفه النابلسي في رحلته الكبرى سنة 1100 "ألف ومائة". ولم يزل
محفوظاً
بالروضة المعطرة مدى القرون، إلى الحرب العامة. ثم نُقِل إلى العاصمة أيضاً في أثناء
الحرب العامة. ولعله أعيد إليها بعد أن وضعت الحرب أوزارها». وقد شاهد الشيخ
إسماعيل بن عبد الجواد الكيالي في مسجد قلعة حمص المصحف العثماني محفوظاً في خزانة.
ويذكر أنه كان مكتوباً بالخط الكوفي الغليظ، وأنه شاهد آثار دماء فى بعض الكلمات.
والذي يبدو أن مصحف حمص\طرطوس لا علاقة له بمصحف الكوفة المفقود. ولعل نسبته للكوفة
بسبب أنه مكتوب بخط كوفي. ولا شك أن الدم الذي عليه مزوّر، لأن
العلماء المتخصصين في علم الخط والنقوش الكتابية، يرَون أن الخط الكوفي الذي كُتب
به مصحف حمص، يَرجع إلى عصرٍ متأخّرٍ. مما يؤكد أنه كُتِب فيما بعد القرن الأول
الهجري.
المصحف المكي
وأما مصحف مكة فقد وصلتنا أخبار عنه حتى القرن الثامن الهجري. ومن ذلك أن ابن جبير رآه بمكة أثناء زيارته لها (سنة 578هـ). كما تحدث عنه الرحالة الطنجي ابن بطوطة عند زيارته للحرم المكي الشريف. كما عينه أبو القاسم التجيبي السبتي في قبة اليهودية بمكة في أواخر سنة 696هـ. وكذلك تحدث عنه السمهودي (ت 911هـ) في مصنفه "وفاء الوفا".
المصحف البصري
لم يصلنا شيء يذكر عن هذا المصحف، سوى أن ابن بطوطة ادعى رؤيته. وكتاب ابن بطوطة قد وصلنا عن طريق راو متهم بالكذب، فلا يمكن الاعتماد عليه. خاصة أنه زعم بأن ذلك المصحف كان عليه دم عثمان، مما يؤكد أنه مزور، وأنه ليس المصحف الذي أرسله عثمان للبصرة. وقد زعم قوم أن هذا المصحف هو الذي ذهب إلى سمرقند لاحقاً، والأرجح أن مصحف سمرقند مصري. والله أعلم.
مصحف قرطبة
اختلفت أقوال المؤرخين حول أصل مصحف قرطبة. ويبعد أن يكون هو المصحف الأم أو المصحف الشامي، وأن عبد الرحمان الداخل قد أدخله معه. والأظهر أنه دخل الأندلس في عهد الأمير عبد الرحمان الأوسط (206-238هـ). وأنه كان يشتمل على أربع ورقات فقط من المصحف العثماني الأم قد أخذت من المصحف الأم المحفوظ في بغداد أيام الفتنة بين الأمين والمأمون. أما بقية أوراق المصحف، فالراجح أنها نسخت على نفس نظام المصحف العثماني. وقد اهتم حكام الأندلس بهذا المصحف اهتماماً بالغاً. واهتم به المرابطون والموحدون المغاربة كذلك. وأخباره كثيرة، آخرها أن السلطان المريني قد استعاده سنة 745 هـ، ثم استمر المصحف محفوظاً في خزائن المرينيين في مدينة فاس بشمال المغرب. وكان ذلك آخر العهد به، إذ انقطعت أخباره منذ ذلك التاريخ.
مصحف مصر
من المصاحف التي زعموا أنها مصحف عثمان الذي يحمل آثار قطرات دمه، مصحف مصر. قال الكوثري: «وأما مصحف عثمان الخاص به الذي اطلع عليه أبو عبيد في بعض الخزائن، على ما في العقيلة وشروحها، فلا يبعد أن يكون هو المصحف الذي يذكره المقريزي في الخطط عند الكلام على مصحف أسماء في جامع عمرو، الذي كان عبد العزيز بن مروان وعد بجائزة كبيرة عن كل غلطة توجد فيه، فوجد قارئ كوفي كلمة "نجعة" بدل "نعجة" غلطاً فأخذ الجائزة. ثم نقل إلى قبة الملك الغوري بالقاهرة مع الآثار النبوية. ثم نقل إلى المشهد الحسيني بها مع الآثار المذكورة. ويصفه العلامة الشيخ بخيت في "الكلمات الحسان"».
أقول: أما أن يكون مصحف مصر هو المصحف الأم، فأمر بعيد. وما ذكره المقريزي أنه استخرج من خزائن المقتدر بالله العباسي، ونقل إلى جامع عمرو سنة 378هـ في خلافة العزيز بالله، فهذا لم يثبت بأي نص تاريخي. وأما أن يكون هذا المصحف هو ممن أرسله عثمان للأمصار، فكذلك لا يصح. ولا خلاف بين المؤرخين والقراء بأن عثمان لم يرسل نسخة من مصحفه إلى مصر. وقد ظهر هذا المصحف في مدرسة القاضي الفاضل الواقعة قرب المشهد الحسيني. ثم نقل إلى القبة التي أنشأها السلطان الغوري تجاه مدرسته. وظل محفوظاً بها حتى سنة 1275هـ. عندما نقل آثار نبوية إلى المسجد الزينبي... وانتهى المطاف بمصحف مصر إلى المسجد الحسيني سنة 1305 هـ.
ومن المحتمل أن هذا المصحف قد استنسخ من أحد المصاحف العثمانية كمصحف الشام مثلاً أو مصحف الكوفة. وقد ذُكِرَ أن الحجاج بن يوسف الثقفي قد أرسل نُسَخاً من مصحفه إلى الأمصار ومن بينها مصر. وأن ذلك التصرف قد استثار غيرَةَ عبد العزيز بن مروان والي مصر، الذي بادر بنسخ مصحفٍ لمصر رصد له القراء والمراجعين المتخصصين بحيث صدر مطابقاً للمصحف العثماني. وبذلك يكون هذا المصحف أول مصحف رسمي لمصر.
لكن
الأستاذة الدكتورة سعاد ماهر قد درست خط مصحف مصر، وأثبت أن خطه يرجع إلى عصر متأخر
عن عصر عثمان بن عفان. وقال عنه القارئ د. أيمن سويد: «هو قديم. لكن على الأغلب ليس
هو أحد المصاحف العثمانية، بسبب دوران زوايا الأحرف. والخط الكوفي في عصر سيدنا
عثمان كانت زوايا الأحرف فيه أكثر حدة». لكنه يرجح أنه يعود إلى أواخر القرن الأول
أو الثاني. فالظاهر أنه ليس مصحف عبد العزيز بن مروان، والله أعلم.
مصحف سمرقند
تحتفظ مكتبة الإدارة الدينية بطشقند بمصحف مكتوب على الرق، يزعمون أنه مصحف عثمان. ويتميز هذا المصحف بأنه خال من النقط. وأن كل صفحة من صفحاته تشتمل على 12 سطراً، وأن عدد ورقاته 353 ورقة، وقياسها 68 سم * 53 سم. ويظهر أن هذا المصحف قد وصل إلى سمرقند إبان حكم القبيلة الذهبية (621-907 هـ). وأنه كان هدية من الظاهر بيبرس، الذي تحالف مع بركة خان رئيس هذه القبيلة وأول من أسلم من المغول، وصاهره. لكن قياسات الأوراق لا تتطابق مع مصحف عثمان الأم.
قال الكوثري: «وكثير من الماكرين يجترئون على تلطيخ بعض المصاحف القديمة بالدم، ليُظَن أنه كان بيد عثمان t حينما قتل. وكم من مصاحف ملطخة بالدم في خزانات الكتب. والله ينتقم منهم. وأما ما أرسله الملك الظاهر بيبرس إلى ملك المغول في الشمال في "وولجا" وما والاها أثناء سعيه الموفق في إرشادهم إلى الإسلام، فليس هو بالمصحف العثماني، رغم ما شهر في البلاد. وإن كان من المصاحف القديمة المنسوخة في عهد الصحابة. لأن رسمه يخالف رسم مصحف عثمان الخاص في بعض الكلمات، كما حققه العلامة الشهاب المرجاني في "وفيات الأسلاف وتحيات الأخلاف"، بمعارضة رسمه برسم عثمان الخاص المدوّن في كتب الرسم، كالرائية وغيرها.
ويظهر أن مصحف بيبرس، هو المصحف الذي كان محفوظاً بجامع عبيد الله الأحرار السمرقندي بسمرقند، بعد انقراض دولة المغول الشمالية. وحينما استولى الروس على سمرقند في القرن المنصرم، نقلوا المصحف المذكور إلى خزانة قيصر روسيا. ولم يزل محفوظًا بها إلى انقراض دولتهم. ويقال أنه أعيد إلى الجامع المذكور بسمرقند قبل نحو 15 سنة بعد انقراض دولتهم. لكن جهلة المسلمين هناك أخذوا أوراقاً كثيرة منه من مواضع متفرقة خفية باسم التبرك. فقضوا بذلك على هذا المصحف الأثري العظيم القدر. ولله في خلقه شئون. وقد تمكن بعض أهل الفضل من أخذ صورة شمسية من البقية الباقية. ولتلك المصاحف قيمتها الأثرية العظيمة، وإن لم يكن إليها حاجة في معرفة الرسم، لأنه مدوَّن في كل طبقة كما ذكرنا».
ويتضح من هذا أنه يبعد أن يكون هذا المصحف هو مصحف عثمان. فالصنعة الفنية تظهر واضحة في مصحف طشقند، ممثلةً في رسم الحروف. مما يشير الى أن الخط الذي كُتِب به لا يرجع تاريخه إلى خلافة عثمان، ولا حتى إلى عهد الصحابة (كما ظن الكوثري). وإنما يرجع إلى القرن الثاني أو الثالث للهجرة. فالخطوط المستقيمة تبدو كأنها رُسمت بمسطرة.
مصحف اسطمبول
يحتفظ
متحف طوب قابو سراي باسطنبول بمصحف مكتوب على الرق يزعمون أنه نفس المصحف الذي كان
بيد عثمان يوم استشهد، وأن آثار الدماء ما تزال واضحة على ورقاته حتى اليوم. ولكن
بالرجوع إلى وصف المصحف، يتضح أن هذه النقاط الحمراء التي يزعمون أنها آثار دم
عثمان، ليست سوى رقوش ودوائر بداخلها خطوط هندسية. وفي ذلك ما يؤكد بأن المصحف لا
يمت بصلة إلى المصاحف العثمانية. إذ لم يكن الرقش والتنقيط من خصائص تلك المصاحف.
وهناك بحث ممتاز قدمته
د. سحر السيد عبد العزيز سالم، اعتمدت عليه في جل هذا البحث.