فتوى منصفة تفصيلية حول جماعة القبيسيات

 

بسم الله الرحمان الرحيم

جماعة القبيسيات بدأتها داعية مخلصة اسمها منيرة قبيسي، وهي خريجة من كلية العلوم ثم من كلية الشريعة في جامعة دمشق. وبدأت تدعو النساء للالتزام بالحجاب الشرعي وإلى الالتزام بفرائض الإسلام، في وقت كان السفور منتشراً جداً. وانتشرت الدعوة بشكل بطيء للغاية في البداية.

لكن الانتشار لهذه الجماعة حدث في نهاية الثمانينات من القرن العشرين، حيث تعرضت جماعة الإخوان المسلمين للاستئصال الكامل في سوريا، مما أدى إلى إيقاف أي نشاط دعوي في سوريا. وبقيت هذه الجماعة يشفع لها قليلا كونها جماعة نسائية، وكونها تسير بعيداً عن السياسة وبدون جهر. وانتشرت الجماعة إلى دول أخرى خارج سوريا مثل الكويت والأردن ولبنان. وفي لبنان برزت سحر حلبي فصرن يعرفن فيما بعد باسم السحريات، وبالطباعيات في الأردن وذلك نسبة إلى فتاة دمشقية الأصل تدعى فادية الطباع. وهذه التسميات (القبيسيات والسحريات ...إلخ) ما هي إلا من اختراع أعدائهن فهن لم يسموا أنفسهن بأي اسم. أي كما أن الوهابية لا يسمون أنفسهم بهذا الاسم وإنما هي تسمية أعدائهم.

عموماً فهذه الحركة حققت نجاحاً كبيرا في مجال الدعوة الإسلامية. وانتشرت إلى بلدان كثيرة جداً مثل الخليج واليمن وأوربا وأميركا وأستراليا وغير ذلك. وقامت بنشاط كبير في بناء مدارس إسلامية للأطفال (على مستوى عال جداًَ بعد دراسة أحدث نظم التربية العالمية) وفي إقامة منظمات خيرية لمساعدة الفقراء وفي تزويج شباب المسلمين. كما أن أساليب الدعوة متنوعة جداً، مثل "مخيمات" صيفية وغير ذلك. ولها منهج موحَّد في الدراسة وهو مجموعة معينة من المواد تدرس من كتب غالبها من تأليف الجماعة نفسها. فكتاب العقيدة المعتمد هو: "عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة" تأليف سعاد ميبر. ويعتنين بحفظ القرآن كثيراً وبتلاوته خاصة بقراءة حفص عن عاصم. وقد ألفت الجماعة كتاب "المفيد في علم التجويد". وأكثر أسانيدهن في القراءة ترجع إلى الشيخ أبي الحسن الكردي. وهناك كتاب "مختصر الجامع في السيرة النبوية" لسميرة زايد. ولهن كتب أخرى في مجالات مثل إحصائيات ودراسات عن العالم الإسلامي (وهو كتاب قيم). وهناك أربع كتب لفقه العبادات (فقط) على المذاهب الفقهية الأربع. وهذه الكتب هي:

مع التنبيه على أن استعمال لفظ "حاجة" أو "حاج" هي بدعة قبيحة، وذكري لما هو مطبوع على الكتاب لا يعني إقرار ما فيه. هذا وكتب الفقه المذكورة تمشي على نهج المتأخرين، وكنت أتمنى لو تم اعتماد كتب مشهورة بدلاً من تأليف كتب جديدة، وأظن الكتاب المشهور الوحيد الذي يدرسن به هو رياض الصالحين للإمام النووي. ويتم في العادة تدريس كتاب فقه واحد حسب المنطقة. ففي دمشق ولبنان يتم تدريس الفقه الشافعي. وفي حلب يتم تدريس الفقه الحنفي. وفي السعودية الفقه الحنبلي. و بعضهن يدرسن المذاهب الأربعة كلها. فالحركة غير متعصبة لمذهب معين لكنها تطلب من أعضائها على الأقل الإلمام بمذهب واحد في فقه العبادات. ولا يخفى أن العامي لا يملك أداة الاجتهاد، ويحتاج للتقليد.

وبالرغم من فضائل هذه الجماعة، فإن لها مساوئ كذلك وعثرات. منها الضعف العلمي العام، حيث التركيز على دعوة وهداية النساء الغير ملتزمات، وإيصالهن للحد الأدنى أو الأوسط في العلم. لكن لا منهاج لدراسة العلم بشكل أوسع، فيقمن بدخول كلية الشريعة. وهذا معناه غياب المرجعية الفقهية في الجماعة، حيث أنها جماعة دعوية بحتة لا تتكلم بتاتاً في السياسة. فهي حركة تشبه حركة تبليغ كثيراً، حيث الاهتمام بالأخلاق والدعوة والالتزام بالعبادات، دون وجود تركيز على العقيدة. وينطبق عليها أكثر ما يقال عن حركة تبليغ من مدح أو ذم.

والقبيسيات لهن انتقادات كثيرة على الصوفية وبالذات على النقشبندية. أما المزاعم بارتباط الجماعة بالصوفية وبمفتي سوريا الضال أحمد كفتارو (من أهم زعماء الطريقة النقشبندية) فمحض افتراء. بل تُمنع عضوات تلك الجماعة بشدة من حضور دروسه ولا تجيز الصلاة في مسجده "أبو النور"! والتي تفعل، تفصل من الجماعة. وكتبهن تنص على تحريم السحر والاستغاثة بغير الله وبناء المساجد على القبور، وعدت هذه الأمور من الشركيات المحرَّمة. لكن عندها احترام وتأثر بالدكتور الضال البوطي. وهناك فرق كبير (وتنافر في عدة حالات) بين تيار كفتارو (صوفي تقليدي) وبين التيار الذي يقوده البوطي والزحيلي والنابلسي وأمثالهم. وهو تيار ليس سلفياً ولا صوفياً خالصاً، وإنما خليط غير متجانس بين عدة تيارات. وجماعة القبيسيات متأثرة كذلك بالدكتور الزحيلي الذي يعتبر فقيهاً أكثر من مفكر أو فيلسوف (كما هي حال البوطي).

ولذلك تجد سعاد ميبر تصف الإمام ابن تيمية بأنه شيخ الإسلام، ومن العلماء الأعلام الذين يدفعون شبه المبطلين، وأنه داع إلى العمل بكتاب الله و سنة رسوله، وأنه الذي وضع أسس النقد المنهجي. وتجد تأثيرات سلفية في كتبهن مثل قول سعاد (ص408): «إن النبي حارب تعليق التمائم و الودع و غيرها مما يزعم الناس أثره الخفي في العافية و الشفاء كما مرّ معنا في الحديث عن الأمور التي تنافي التوحيد». وتقول سعاد ميبر (ص144): «فلا يجوز لإنسان أن يستغيث بغير الله تعالى». ثم تقول: «و على هذا فإن الاستغاثة لا تكون إلا بالله تعالى». ثم تقول «و أما الاستغاثة الممنوعة فهي الاستغاثة بالأصنام و الأموات و الجن لأمثالهم، لأن هذا نوع من الشرك، و بسببه ضل كثير من الناس و انحرفوا عن التوحيد الصحيح». و تقول (ص147): «و لا تجوز الاستعاذة إلا بالله». وتقول سعاد في (ص14): «وأما الاستعانة الممنوعة فهي: طلب النفع بأشياء لم يجعلها الله سببًا ظاهرًا له. كأن يمرض شخص فيستعين على شفائه باللجوء إلى ساحر أو دجال بدل الطبيب ليعمل على شفائه بلا علم ولا قانون بل بقوى غيبية يزعم الاتصال بها، أو يلجأ إلى قبر أحد الصالحين ويطلب منه الشفاء وهو لا يملك تحريك لسانه بالدعاء له ولا يقدر من عند نفسه على الشفاء».

وكتاب "عقيدة التوحيد" فيه التصريح بتفضيل طريقة السلف في مسائل الصفات على طريقة الأشاعرة المؤوّلة. لكن المؤلّفة قد غلطت تبعاً لغلط الشيخ سيد سابق (وكتابها متأثر بوضوح بكتابه)، فمزجت بين تفويض المعنى وتفويض الكيفية، وأتت بكلام يقبل الوجهين. إلا أنها ناقشت بعض أدلة الأشاعرة ونقضتها. كما تحدث كتابها على انحراف الفرق الأخرى أيضا (المعتزلة، القاديانية، البهائية، وغيرها). والكتاب يذكر بصراحة أن السحر والتمائم شرك مخرج من الإسلام. ويذكر الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على وجوب قتل الساحر والساحرة!

واليوم يوجد في دمشق وحدها (مقر الجماعة) نحو 40 مدرسة تابعة للشيخة منيرة القبيسي (75 سنة) من أصل نحو 80 مدرسة تنتشر في جميع الأحياء الدمشقية، تدور في فلكها أكثر من 75 ألف امرأة ومربية لآلاف الأُسَر (تقدير عام 2006). وتشير التقديرات إلى أن "حلقات" الجماعة تضم نحو 25 ألف امرأة وفتاة في دمشق وضواحيها. وهذا يجعلها كبرى الجماعات الإسلامية في سوريا. يقول البوطي عن نجاح هذه الدعوة: «وقد كتب لهذا العمل النجاح لأسباب متعددة منها: الابتعاد عن التيارات السياسية، والابتعاد عن المناطق والمحاور الخلافية، والتركيز على جذع الوحدة الإسلامية، والتركيز على الجانب الروحي في الإسلام مع عدم إهمال الجانب العلمي· ولعل إخفاق بعض الأنشطة الإسلامية يعود إلى التركيز على أحد الجانبين وإهمال الآخر، وعمل الأخوات يجمع بين كفتي الدعامة العلمية والدعامة الروحية».

تمتاز جماعة القبيسيات مقارنة بالجماعات الأخرى المنافسة (كالتيارات السلفية والطرق الصوفية) بأنها أكثر تنظيماً من كل منافسيها، وأنجح في التعامل مع النساء من الناحية النفسية. إنهن قادرات على اختراق المجتمع المثقف بامتياز. قمن بافتتاح مدرسة للبنات في عمان، تعد من أنجح المدارس في الأردن. في بعض المدارس الإسلامية الأخرى تتأفف الأخت إذا طلب إليها أن تقوم بعمل إضافي أو فوق الدوام، بينما معلمات المدرسة الطباعية يقمن بمسح الأرض في المدرسة وتكنيس الصفوف، دون النظر إلى راتب شهري أو اعتبار شخصي. وقد استغرب أحد المشايخ من أن أحد السلفيين المعارضين للجماعة قد سجل أولاده في مدرستهم. فسأله: كيف سجلت أولادك عند من تعتقد أنهم صوفية؟ ولماذا لا تدخلهم مدرسة سلفية؟ فأجاب: وهل يستطيع السلفيون تنظيم مدرسة؟! ثم أجاب بأن تلك المدرسة هي الأفضل من باقي المدارس الإسلامية.

أشد الانتقادات لهذه الجماعة تأتي من طرفين نقيضين: السلفيين والأحباش. فالأحباش يتهمونهن بأنهن جماعة وهابية. فيقول عنهم أحد الأحباش: «وقطعـًا لسن من الصوفية، والمشهور أنهن يتبعن التنظيم النسائي لحزب الإخوان». راجع تفاصيل ذلك في كتاب "دراسة شاملة عن التنظيم النسائي السرّي الخطير لمنيرة قبيسي وأميرة جبريل وسحر حلبي وفادية الطباع وسعاد ميبر" تأليف الحبشي أسامة السيد. وفي المقابل نجد السلفيون يتهمونهن بالتصوف. وابتدأ هذا الخلاف عام 1990 في الكويت بتحريض قبيسية سابقة (أم فهد) تمكنت من إثارة الفتنة باستغلال النقمة الكويتية ضد الفلسطينيين آنذاك، وشرعت بهجوم عنيف عبر الصحف ضد الجماعة، مستغلة أن المسئولة عن الجماعة كانت فلسطينية (أميرة جبريل).

وتعرف تلك الجماعة في الكويت تحت اسم جمعية بيادر السلام. وهي جمعية نسائية خيرية ولها جهود كبيرة في تحفيظ القرآن والسنة وتدريس العلوم الشرعية وإقامة الأسواق الخيرية ومد يد العون للفقراء والمحتاجين. وتعتبر أشهر جمعية نسائية في الكويت. ولها اتصال مع بعض اللجان الأخرى، لاسيما اللجان المنبثقة عن جمعية الإصلاح الاجتماعي. وقد نشرت جريدة السياسة اليومية -وهي من أسوأ حمالات الحطب في الكويت- تقريرا مذهلا في سنة 1993 م تقريباً عن حقيقة جمعية بيادر السلام وأنها تنظيم صوفي سري خطير، وأنه يرجع في قراراته إلى امرأة فلسطينية تزور الكويت بين الفينة والأخرى.

ثم تولت الطائفة الجامية الخبيثة كبر هذه الفتنة. ووصل الأمر إلى تكفير القبيسيات واستصدار فتوى بذلك. فتوى (#16011) تاريخ: 18/5/1414هـ: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من مستفتي من الكويت والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (11-16) وتاريخ (18/5/1414) وقد سأل المستفتي سؤلا هذا نصه: "بشأن جماعة من النساء في الكويت يقمن بنشر الدعوة الصوفية على الطريقة النقشبندية، وهن يعملن تحت إطار رسمي -جمعية نسائية-، ولكنهن يمارسن هذه الدعوة في الخفاء ويظهرن ما لا يبطن. وقد حصل أن اطلعنا على كتاباتهن وبعض كتبهن واعتراف بعضهن ممن كن في هذا التنظيم. وذلك يتمثل بعضه بالآتي: يقولون من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة ومن قال لشيخه لم، لم يفلح أبداً. ويقولون بالوصل، ويقومون بعملية الذكر الصوفي مستحضرين صورة شيختهن أثناء الذكر، ويقبلون يد شيختهن والتي يطلقون عليها لقب الآنسة، وهي من بلد عربي من خارج الجزيرة، ويتبركن بشرب ما تبقى في إنائها من الماء. ومن كتاباتهن لأدعية خاصة. وإني وجدتها بعد ذلك مقتبسة من كتاب اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان. ويقومون بتأسيس المدارس الخاصة بهم لاحتواء الأطفال على طريقتهن ويعملن في مجال التدريس، مما يعطيهن مجال لنشر هذه الدعوة في صفوف بنات المدارس الحكومية المتوسطة والثانوية. وقد فارقت بعض من هؤلاء النسوة أزواجهن وطلبوا الطلاق عن طريق المحاكم عندما أمرهن هؤلاء الأزواج بالابتعاد عن هذا الطريق الضال. السؤال: ( 1 ) ما هو الحكم الشرعي في عقيدة هؤلاء النسوة مع إصرارهن على هذه الطريق؟ ( 2 ) هل يجوز الزواج منهن؟ (3) ما حكم عقد النكاح القائم بإحداهن الآن؟ (4) النصيحة لهن وترهيبهن من هذا الطريق. وجزاكم الله عنا كل خير". وبعد دراسة اللجنة له أجابت: الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية، كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة. وقد قال صلى الله عليه و سلم: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". بل إن الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة مع ما في البدعة من الضلال، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ (كذا بالهمز!) الطرق والاستغاثة بهم من دون الله واعتقاد أن لهم تصرفاً في الكون، وقبول أقوالهم من غير نظر فيها، وعرضها على الكتاب والسنة. ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: من لا شيخ له فشيخه الشيطان. ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة. ومن قال لشيخه: لم لم يفلح أبدًا. وهذه كلها أقوال باطلة مخالفة للكتاب والسنة، لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة ولا معارضة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. وقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. أما غيره من البشر مهما بلغ من العلم فإنه لا يقبل قوله إلا إذا وافق الكتاب والسنة. ومن زعم أن أحدًا تجب طاعته بعينه مطلقاً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ارتد عن الإسلام، وذلك لقوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}. وقد فسر العلماء هذه الآية بأن معنى اتخاذهم أرباباً من دون الله: طاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال كما روي ذلك في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه. فالواجب الحذر من الصوفية رجالاً ونساءً ومن توليهم التدريس والتربية ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها لئلا يفسدوا عقائد المسلمين. والواجب على الرجل منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات أو المدارس التي يتولاها الصوفية أو يدرسون فيها حفاظا على عقائدهن وحفاظاً على الأسر من التفكك وإفساد الزوجات على أزواجهن. ومن اعتنق مذهب الصوفية فقد فارق مذهب أهل السنة والجماعة، وإذا اعتقد في شيوخ الصوفية أنهم يمنحون البركة، أو ينفعون أو يضرون فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء الأمراض وجلب الأرزاق، ودفع الأضرار أو أنهم تجب طاعتهم في كل ما يقولون ولو خالفوا الكتاب والسنة. من اعتقد ذلك فقد أشرك بالله الشرك الأكبر المخرج من الملة. لا تجوز موالاته ولا مناكحته لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}. إلى قوله: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}. والمرأة التي تأثرت بالتصوف إلى حد الاعتقاد المذكور لا ينبغي التزوج بها ابتداء ولا إمساكها ممن تزوجها إلا بعد مناصحتها وتوبتها إلى الله. والذي ننصح به النسوة المذكورات هو التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وترك هذا المذهب الباطل والحذر من دعاة السوء والتمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة التي قام بإعدادها العلماء المستقيمون على العقيدة الصحيحة والاستماع للدروس والمحاضرات، والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح. كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف.

والملاحظ أن فتوى اللجنة صحيحة، لكن الفتوى لا تتعلق إطلاقاً بالقبيسيات. وهذا الوصف الوارد في السؤال لا ينطبق عليهن، وإنما يفتري ذلك عليهن الجامية. أما كلمة "آنسة" فهي تعني معلمة أو مدرسة وتستعمل في سوريا لكل المدرّسات في المدراس والجامعات، فهي ليست لقباً دينياً. والسؤال لم يكن عن القبيسيات ولا عن بيادر السلام. السؤال كان بما معناه: ما رأيكم في جماعة نسائية من خارج الجزيرة وهي صوفية نقشبندية وتؤمن بعقيدة الحلول وتمارس السحر.... إلخ. فمن الطبيعي أن يكون الجواب بتحريم الانتساب لمثل هذه الجمعية. فبعض هذه التهم هي تهم كفرية. لكن رد الجماعة التي نشرته في الصحف هو أن الفتوى لا تتعلق بهن. فهن لا يمارسن السحر ولا يؤمن بعقيدة الحلول ويعتبرن ممارسة السحر كفراً. ومعلوم أنه لا السؤال ولا الفتوى فيه ذكر لهن ولا لجمعيتهن. فكيف يتم بالقوة صرف هذه الفتوى لجمعيتهن؟

أما عن اتهامات الطائفة الجامية لهن، فيجاب عليها بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}. فإن المرء عليه أن يحتاط في ألا ينقل كل ما يسمعه في أمر لو أخطأ فيه لعاد عليه بالضرر الفادح في الآخرة. وفي مقدمة صحيح مسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبا أَنْ يُحَدّثَ بِكُلّ مَا سَمِعَ». قال الحافظ ابن حجر: «إن الذي يتصدى لضبط الوقائع من الأقوال والأفعال والرجال، يلزمه التحري في النقل. فلا يجزم إلا بما يتحققه، ولا يكتفي بالقول الشائع، ولا سيما إن ترتب على ذلك مفسدة من الطعن في حق أحد من أهل العلم والصلاح. وإن كان في الواقعة أمر فادح، سواء كان قولاً أو فعلاً أو موقفاً في حق المستور، فينبغي ألا يبالغ في إفشائه، ويكتفي بالإشارة، لئلا يكون وقعت منه فلتة. ولذلك يحتاج المسلم أن يكون عارفاً بمقادير الناس وأحوالهم ومنازلهم، فلا يرفع الوضيع، ولا يضع الرفيع».

ويزداد هذا الإثم عندما يتم قذف وتكفير نساء غافلات مؤمنات، فهذا من نوع الإفك الذي قال الله عز وجل عنه: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ {*} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}. وفي صحيح مسلم (4|1997 #2581):عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما المُفْلِسُ؟». قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيام وزكاة. ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا. فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طُرِحَ في النار».

أما ما ينتقد حقيقة على الجماعة، فهو المبالغة في طاعة المعلمة (الآنسة)، لكن ليس أبداً كما تصوره الفتوى أعلاه، ولا قريباً من ذلك. بل تقدير سلفيي الجزيرة لابن باز مثلاً وغلوهم به أشد بكثير. أما عن طاعة الزوج فربما من أهم تعليماتهن أن طاعة الله والرسول أولاً ثم طاعة الزوج ثانياً. فلا تحتاج الجماعة إلى المزايدة على هذا. وأما السحر والحلول والاستغاثة بغير الله، فقد تقدم أن الجماعة تكفر من يفعل ذلك، وتوافق شيخ الإسلام ابن تيمية على موقفه. وهو أهم سبب لعداوة الأحباش لهن. ومعلوم أن عقائد الجماعات يتم تقييمها من كتبهم، وليس من افتراءات الطائفة الجامية الفاسقة، وأنه لو عثر على امرأة فاسدة فلا يجوز تعميم ذلك على الجماعة كلها. إذ لا تخلو أية جماعة من أفراد منحرفين عنها.

لدى بعضهن بعض البدع مثل الاحتفال بالمولد النبوي وبعض الأذكار الغير ثابتة مثل الصلاة النارية وأمثال ذلك. الصلاة النارية هي أن يقول المرء: «اللهم صلِّ صلاة كاملة وسلم سلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم ، ويستقي الغمام بوجهه الكريم ، وعلى آله وصحبه وسلم في كل لمحة ونفس عدد كل معلوم لك». فهي كلها معناها أن الله يكشف الضر "برسول الله" (صلى الله عليه وسلم)، و هذا هو التوسل. و لو أنهم قالوا «اللهم صل على سيدنا محمد الذي يحل العقد و يفرج الكرب و يقضي الحوائج ...». عندها يكون هذا شركاً. أما أن نقول "به" يعني بواسطة الدعاء إلى الله به. و التوسل جائز عند أكثر المتأخرين، و هو بدعة سيئة عند السلف الصالح.

كما ينتقد على الجماعة ضعف الاهتمام بالأدلة، ورأيي أن هذا نتيجة هدف الجماعة. فهي تهدف إلى إيجاد مستوى متوسط من الالتزام الديني عند النساء العوام وعند الأطفال (عن طريق المدارس الإسلامية). فهي تشبه حركة تبليغ في ذلك إلى حد ما. لكن تحتاج النساء بعد ذلك إلى من يأخذ بأيدهن إلى مستوى علمي أكبر من هذا. ويؤخذ عليها طريقتها في الضغط على الطالبات، من غير السماح بأي مناقشات. وبعض المنتميات إلى الجماعة، غير مقتنعات ببعض الأمور، و مع ذلك يمنعون من السؤال لماذا؟ أما عن سبب اعتمادهن للسرية في الدعوة، فبسبب الحظر الحكومي والتضييق الشديد، عمدن إلى عقد الدروس في البيوت. ولم يسمح لهن بإعطاء الدروس في مساجد سوريا إلا في عام 2006. وقد ابتدأت الدعوة الإسلامية في مكة بالسر، وكان الصحابة الأوائل يجتمعون سراً في دار ابن الأرقم. وأما تركيز الجماعة على استقطاب الغنيات وذوات الشهادات العالية، فلا يعاب ذلك. وهل كان رسول الله (عليه الصلاة والسلام) مخطئاً عندما حرص على دعوة أغنياء قريش والتكلم معهم؟ أم كان مخطئاً بإرسال الكتب والمراسيل إلى ملوك الأرض؟ أما كان مصعب مخطئاً عندما حرص على هداية سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، سادة وأغنياء أهل يثرب؟

وأما واجبنا تجاهها فهو النصح لأعضائها بتجنب تلك البدع، وبالاهتمام أكثر بطلب العلوم الشرعية من الكتب المعتبرة الصحيحة، وليس من كتب القبيسيات. وعلى أية حال فالجيل الجديد منهن أكثر انفتاحاً بكثير من القديم. وبعض المدرسات القديمات صوفيات ونقشبنديات، وليس الجيل الجديد كذلك.

وقد تكلمت مع الشيخ العلامة عبد القادر الأرناؤوط، وسألت فضيلته عن جماعة القبيسيات وعن فتوى اللجنة الدائمة المذكورة أعلاه. فقال أن الجماعة يعتبرها صوفية وأن لها أفكار مخالفة للسنة يجب الحذر منها، لكن الفتوى المذكورة مبالغ فيها، إذ لم يصل الأمر عندهن إلى ارتكاب تلك العظائم ولا الخروج من الملة. كان هذا آخر كلام لي مع الشيخ قبل قليل من وفاته رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. والشيخ من أعلم الناس بهذه الجماعة.

نسأل الله لهم الهداية والتوفيق للسنة، وأن يستعملهم في الخير، ويعظم لهم الأجر على ما يقدموه من الخير. والله أعلم.

 


========

ملحق قديم سنة 2007 (تغير الوضع كثيرا اليوم)

أولاً - خريطة التيار السني في سورية:

يتوزع التيار الإسلامي السني في سورية على أربعة اتجاهات هي :

 

1- التيار الصوفي : وهو تيار عميق الجذور في المجتمع السوري، ويكتسب شعبية كبيرة مستمدة من التبجيل والاحترام اللذين تتمتع بهما رموزه القديمة والمعاصرة. ويُعتبر التيار الصوفي من أقدم التيارات الإسلامية في سورية، حيث لعب دوراً تاريخياً هاماً في ممارسة الأنشطة الإسلامية والتعليم الديني منذ أن نشره الحكم التركي العثماني طوال أربعة قرون. وبالطبع بدأ هذا الدور يتراجع بشكل كبير لصالح باقي التيارات الإسلامية في سورية. واليوم يتركز نفوذ التيار الصوفي في سورية في مجمع أبي النور الإسلامي، وهو عبارة عن مسجد ضخم ومعهد شرعي يتولى سنوياً تخريج أعداد كبيرة من طلاب العلوم الشرعية (سوريين وعرب وأجانب). ومن أهم رموز التيار الصوفي في سورية الشيخ الراحل أحمد كفتارو مفتي سورية سابقاً، وهو يُعتبر المرشد الروحي للتيار الصوفي في سورية ممثلا بالطريقة النقشبندية. ويتمتع أحمد كفتارو باحترام كبير وتبجيل مبالغ به وسط أتباعه، وذلك وفق التقاليد الصوفية التي تتمحور حول شيخ الطريقة. ويلي كفتارو في الأهمية رجب ديب الذي يُعتبر خليفته الروحي في زعامة التيار الصوفي السوري (يتمتع رجب ديب بنفوذ واسع النطاق في لبنان في أوساط المسلمين السنة). ويُعتبر التيار الصوفي في سورية من أكثر التيارات الإسلامية تنظيماً ونفوذاً وذلك لأسباب متعددة:

وتتركز شعبية التيار الصوفي في أوساط الفئات محدودة الثقافة والتعليم، والتي تجد في تعاليمه البسيطة زاداً روحياً هاماً. في حين تتضاءل شعبيته بشكل ملحوظ في أوساط الفئات الأكثر ثقافةً وتعليماً، حيث تنظر إليه كتيار خرافي متخلف.

 

2- التيار السلفي: بدأ هذا التيار يتصاعد بقوة في سورية منذ الاستقلال، مع تصاعد التيارات السلفية في الدول العربية المجاورة والإسلامية عامة. ومن أهم المرجعيات الفكرية للسلفيين السوريين: الشيخ عبد القادر الأرنؤوط والشيخ ناصر الدين الألباني -رحمهما الله- والشيخ عيد العباسي، فضلاً عن المرجعيات التاريخية المعروفة مثل ابن تيمية وابن القيم. وقد شكّل قدوم عدد كبير من الطلاب الجزائريين للدراسة في المعاهد الشرعية السورية، رافداً كبيراً للتيار السلفي. إذ إن معظم هؤلاء الطلاب من المنتمين للتيار السلفي. وقد أصبح معهد الزهراء الشرعي (غالبية طلابه من الجزائريين السلفيين) والمسجد التابع له (مسجد دك الباب) المعقل الرئيس للتيار السلفي في سورية. كما لعبت الملحقية الثقافية السعودية دوراً في نشر الفكر السلفي، وذلك من خلال توفير الكتب والمراجع والأدبيات السلفية الفكرية.

يُعتبر التيار السلفي من التيارات المحظورة والمراقبة أمنياً في سورية. إذ لا يُسمح مثلاً بتداول الكتب السلفية، وعلى وجه الخصوص مؤلفات ابن تيمية وناصر الدين الألباني ومحمد بن عبد الوهاب ومعظم علماء السعودية. كما توقفت الملحقية الثقافية السعودية في الآونة الأخيرة عن نشاطها في توزيع المطبوعات المجانية السلفية (بتحريض من الدكتور الضال سعيد البوطي الخصم الفكري العنيد للسلفية في سورية). وبنتيجة ضغوط أمنية انتقلت دار المكتب الإسلامي (التي كانت تتولى نشر وتوزيع مصادر الفكر السلفي) إلى لبنان. وبات أتباع التيار السلفي يترقبون معرض الكتاب السنوي الذي يُقام في مكتبة الأسد للحصول على بعض الكتب السلفية التي يتمّ إدخالها تهريباً خلال فترة المعرض عبر بعض دور النشر اللبنانية والمصرية. كما تمّ تضييق الخناق على أهم منظري التيار السلفي في سورية، فمُنع عبد القادر أرنؤوط من الخطابة تحت ضغط أتباع كفتارو، وتمّ إبعاد ناصر الدين الألباني إلى الأردن. وقد شهدت سورية في الآونة الأخيرة بعض الانفراج في التعامل مع التيار السلفي، فقد لوحظ في معرض الكتاب السنوي مؤخراً وجود ملحوظ لعدد من كتب ابن تيمية والألباني وابن باز وابن عثيمين. ومن المعروف أن معرض الكتاب السنوي هو المعُبّر عن التوجهات الرقابية الرسمية حيال الكتب والمطبوعات في سورية إضافة إلى وزارة الإعلام.

 

3 - التيار الأشعري : ويمثل هذا التيار في واقع الأمر طيفٌ واسعٌ جداً من الاتجاهات الفكرية التي يجمع بينها قاسم مشترك واحد وهو: رفض بعض ممارسات الصوفية، وعداء أفكار السلفية، والتعامل بشك مع الاتجاهات التحديثية في فهم الإسلام. ولعل من أهم ممثلي هذا التيار في سورية الدكتور سعيد بن رمضان البوطي الذي بدأ نجمه يلمع بقوة في أواسط الثمانينات لعاملين اثنين:

وللدكتور البوطي دروس علمية أسبوعية في بعض مساجد دمشق (فضلاً عن خطبة صلاة الجمعة التي يلقيها في مسجد الرفاعي). وجميع دروسه وخطبه تنتشر بسرعة في أوساط مريديه من خلال أشرطة التسجيل السمعية وأقراص الكومبيوتر. كما أن له عدداً كبيراً من الكتب والمؤلفات التي تعالج مواضيع إسلامية مختلفة برؤية معاصرة. ويتمتع البوطي بشعبية كبيرة ومتزايدة في أوساط المثقفين والجامعيين الذين يشكلون القاعدة الأساسية لمريدي البوطي في سورية. وقد عُرف البوطي بخصومته الفكرية العنيفة مع التيار السلفي. ويبدو أنها بدأت بخلاف شخصي مع أهم منظري السلفية في سورية وهو الشيخ ناصر الدين الألباني حيث دارت بينهما سلسلة من الحوارات والتعقيبات التي لم تخلُ من قسوة العبارة أحياناً. كما أن البوطي قد لجأ إلى السلطة لتصفية بعض خصومه من السلفيين.

ومن رموز هذا التيار أيضاً الدكتور وهبة الزحيلي الباحث الفقهي المعروف، ولكن من الواضح أن سمة (الفقيه) تطغى على سمة (المفكر) عنده. ومن رموز هذا التيار هي جماعة القبيسيات. وهي وإن لم تكن أشعرية العقيدة، إلا أن تأثرها الشديد بالبوطي واضح.

 

4- التيار العقلاني: وهو التيار المنادي بتقديم قراءة معاصرة للإسلام تتجاوز الفهم الحرفي والتقليدي. وتنتمي إليه مدارس التجديد التحديثية و اليسارية، وهي التي تقدم قراءة ذاتية وشخصية للنص الديني لا تنسجم بالضرورة مع أصول وقواعد فهم النص. وهذا التيار يتمثل بعدد من المفكرين العقلانيين، لكن نسبة انتشار هذا التيار على المستوى الشعبي ضعيفة. وكأن مهمته نشر شبهاته هنا وهناك. ويتمتع هذا التيار بدعم وتمويل حكومي أو غربي قوي.

ومن أهم رموزه: الدكتور الماركسي مهندس التربة محمد شحرور الذي قدم عدداً من الأعمال الفكرية  التي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط الإسلامية من أهمها "الكتاب والقرآن". وبالرغم من تزكية روبرت بللتشرو -وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق- لكتاباته ووجهات نظره (وقد جاءت هذه التزكية في تصريح أشاد فيه بثلاثة كتّاب هم: محمد سعيد العشماوي من مصر، ومحمد أركون من الجزائر، ومحمد شحرور من سورية) فقد اتُهم محمد شحرور بالكفر ومخالفة مسلمات الإسلام، وهو واضح جداً.

وقد صدرت عدة ردود عليه لكنها ليست قوية، فهو مدعوم كثيراً من الحكومة هناك. حتى البوطي رغم ما له من نفوذ في سوريا لم يسمحوا له أن يناظره علناً، فالرجل حاصل على تزكية! وهو ينكر السنة ويدعي تفسير القرآن بدلالات اللغة العربية، رغم أنه من أجهل الناس بها. وقد كتب أحد أساتذة العربية الكبار في سوريا (يوسف صيداوي) كتاباً أسماه "بيضة الديك (نقد لغوي لكتاب الكتاب والقرآن)". يرد على جهالاته فقط في اللغة العربية، والكتاب سميك من القطع الكبير.

والدكتور له شعبية بين العلمانيين (وهم الملحدون العلنيون) وبين العصرانيين (وهم المنافقون الذين يبطنون العلمانية ويظهرون الإسلام). وتجدهم يدافعون عنه بقوة. فهو يحاضر في سوريا ولبنان ويهاجم الصحابة بل الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو. ولا أحد يستطيع أن يرد عليه الرد الحقيقي ويبين كفره للناس. مع أنه تمادى في الكفر لدرجة دعت بعض أئمة الكفر كذلك للرد عليه من أمثال البوطي في مجلة "نهج الاسلام" (العدد 42، ك 1، 1990)، تحت عنوان: "الخلفية اليهودية لشعار قراءة معاصرة". وهي مجلة غير منتشرة فلم يغير هذا الرد شيئاً.

ورد عليه المرتد المشهور نصر حامد أبو زيد، في "مجلة الهلال" (العدد 10، عام 1991م)، تحت عنوان: "لماذا طغت التلفيقية على كثير من مشروعات تجديد الاسلام؟"، ومقالة أخرى تحت عنوان: "المنهج النفعي في فهم النصوص الدينية" (العدد 3، عام 1992م). ورد عليه زعيم الطائفة القاديانية في سوريا: سليم الجابي، في كتابه: "القراءة المعاصرة للدكتور محمد شحرور مجرد تنجيم ـ كذب المنجمون ولو صدقوا"! وهذا الأخير صاحب منتدى "شباب لك" الساقط، وله دعم حكومي قوي. وهناك من علماء السنة من رد عليه كذلك، لكنها ردود غير قوية، لأن الردود إذا كانت قوية فلن يسمح لها بالدخول إلى سوريا ولبنان. بحجة حرية الفكر طبعاً! أما بين العوام فهم لضعفهم في العقيدة لا يفهمون غالب تلك الطوام والكفريات التي يدعو إليها.

والشيعة يشيدون بالدكتور شحرور خاصة أنه يشارك في مشروع تشييع سوريا. وله مقال ينعق فيه بما حصل في كربلاء ويمجد فيه الرافضة ويذرف فيه دموع التماسيح على الحسين رضي الله عنه.

أما عن جودت سعيد فهو أخبث بكثير من شحرور وأضر على الدين وأخطر. فإن شحرور له حماقات تنفر الناس منه ومن كتاباته. وأسلوبه استفزازي ومتعال. أما جودت سعيد فهو أذكى وأخبث من الدكتور شحرور. وأتباعه أكثر بمرات. وهي منتشرة في مجال العالم العربي. والسبب أنه يدس السم في العسل. فهو يتكلم بأسلوب فلسفي مرن. وقد يذكر أموراً صحيحة، لكنه يدس بين السطور أقوالاً كفرية مبطنة. فتمشي بين الناس. وهناك كتاب ممتاز لعادل التل يوضح فيه ضلالات هذا الملحد الإسلامي. وهناك مقالة مختصرة وممتازة تجدها في موقع الأسوة الحسنة. وألف أحد الإسلاميين كتاباً للرد على "الزنادقة الثلاثة" ويعني بهم: جودت السعيد ومحمد شحرور ومحمد إقبال.

وأنا أستغرب أني لقيت من أتباعه أقواماً مثقفين وعندهم حسن تدين. ومع ذلك هم من المعجبين به جداً. رغم أنه ليس إلا امتداداً لعمرو بن عبيد المعتزلي الذي كان يقول -بعدما يسمع الحديث الصحيح الذي لا يوافق مزاجه-: لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، و لو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أحببته، و لو سمعت عبد الله بن سعود يقول هذا ما قبلته، و لو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هذا لرددته، و لو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقنا!

والحديث عن جودت السعيد يستدعي الحديث عن حنان اللحام التي تلتقي معه فكرياً إلى حد ما، وقد عُرفت بدعوتها إلى تجديد النظرة التقليدية للمرأة. وتتعرض للنقد من قبل الإسلاميين، وخصوصاً في موقفها من قضية تعدد الزوجات.

ومن رموز التيار التجديدي والتي ظهرت مؤخراً الدكتور محمد حبش، عضو مجلس الشعب. ورغم أنه منتمٍ الى التيار الصوفي (جماعة كفتارو – أبو النور) إلا أنه مؤخراً دخل في صدام عنيف مع هذا التيار وصل إلى حد تبرؤ كفتارو وجماعته منه في بيان شهير وُزّع في مسجد أبي النور. وقد تمّ هذا الانشقاق بينهما على خلفية كتاب ألفه محمد حبش بعنوان "المرأة بين الشريعة والحياة" تضمن أفكاراً وُصفت بـ"أفكار ضالة". واتهمه البوطي بأنه "يرفع لواء الزندقة". كما صدرت بعض الكتب التي ترد عليه وتفند أفكاره. ومن أهل من يقول: احذروا طيور الكفر الثلاثة: الشحرور والحسون (مفتي سوريا الجديد، وهو شيعي) وديك الحبش.

 

ثانياً - خريطة التيار الشيعي في سورية:

يُشكل الشيعة الإمامية الاثني عشرية أقلية مذهبية في سورية، ويتركز الوجود الشيعي في مناطق محدودة من دمشق (حي الأمين وزين العابدين) ومناطق من ريف دمشق (مثل الجديدة) وفي مجموعة من قرى حلب وحمص. ومن الملاحظ أن التوجهات الإعلامية والرقابية في سورية تفرض رقابة خفيفة على تداول الكتب الشيعية، مجاملة للأغلبية السنية في سورية. ولكن يبدو أن هذه الرقابة تنحصر في دمشق فقط، وتزول في مراكز ثقل الشيعة. ولذلك فقد أصبح مركز ثقل الشيعة العلمي والفكري متركز في منطقة مقام الست زينب في ريف دمشق، والتي يقطنها أعداد كبيرة من الشيعة العراقيين، كما يوجد فيها عدد من الحوزات العلمية التي أُنشئت بدعم وتمويل ايراني. وتلعب إيران دوراً هاماً في نشر الفكر الشيعي ودعم الشيعة في سورية. وتتوزع التوجهات الفكرية للشيعة في سورية على التيارات التالية:

1- تيار ولاية الفقيه وتبني مرجعية علي خامنئي: وهو التيار الذي يحظى بالدعم والتمويل الإيراني.

2- تيار ولاية الفقيه مع تبني مرجعيات شيعية تقيم في العراق مثل الخوئي والسيستاني (الأول أرمني إيراني والثاني فارسي إيراني): وهو الغالب في أوساط الشيعة السوريين.

3- تيار تحديث وتجديد الفكر الشيعي: ويتمثل في أتباع إياد الركابي ومحمد حسين فضل الله وعلي شريعتي وأحمد الكاتب: ووجوده محدود وقليل.