سجود الشمس عند مغربها، وإجابة شبهات الملاحدة

حديث سجود الشمس له أكثر من رواية وجميعها من نفس الطريق: إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن أبيه عن أبي ذر. تفرد به. فسنحقق أي الروايات أصح ثم نرد على طعون الملاحدة عليه. الروايات بصحيح البخاري:

 1.      4802 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي ﷺ في المسجد عند غروب الشمس، فقال: «يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش»، فذلك قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر}.

 2.      4803 - حدثنا الحميدي، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: سألت النبي ﷺ عن قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} قال: «مستقرها تحت العرش».

 3.      3199 - حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ: لأبي ذر حين غربت الشمس: «أتدري أين تذهب؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}"

 هذا عند البخاري، وعند مسلم:

 4.      159- يونس (بن عبيد)، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، - سمعه فيما أعلم - عن أبيه، عن أبي ذر أن النبي ﷺ قال يوما: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟» قالوا: الله ورسوله أعلم قال: " إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها "، فقال رسول الله ﷺ: " أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}

 5.      الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: دخلت المسجد ورسول الله ﷺ جالس، فلما غابت الشمس، قال: «يا أبا ذر، هل تدري أين تذهب هذه؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " فإنها تذهب فتستأذن في السجود، فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها "، قال: ثم قرأ في قراءة عبد الله: وذلك مستقر لها.

 الرواية #5 فيها خلل بآخرها عند قوله " ثم قرأ في قراءة عبد الله" المقصود قراءة ابن مسعود. وهذه الجملة بداهة هي إضافة من أحد رواة الحديث (لا يمكن أن يقولها النبي صلى الله عليه وسلم) وهي مخلة بالمعنى. يقول المعلمي: «لا أدري من القارئ؟ ولعله إبراهيم التيمي. وظاهر اختلاف سياق الروايتين أنهما حديثان كل منها مستقل عن الآخر». ثم قال: «لعل أصل الثابت عن أبي ذر الحديثان الأولان، ولكن إبراهيم التيمي ظن اتفاق معناهما فجمع بينهما في الرواية الثالثة».

 يبدو أن الحديث #2 هو مختصر عن الحديث #1. ويكون الحديث #3 حديثا منفصلا آخر مع حذف ذكر الآية بآخره (إذ ثبت أن الراوي أضافها من حديث آخر وخلط)، يعني يتحدث الحديث #3 يتحدث عن قضية طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة. أي لدينا حديثين:

-        عند غروب الشمس، قال: «يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش»، (قال الراوي:) فذلك قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها}.

-        «إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها».

 

اعتراض الملحد: أليس الغروب هو نتيجة حركة الأرض وليس الشمس؟ وهل الشمس تتحرك؟ وكيف تسجد الشمس؟ ومتى؟ وأين؟

 نعم الشمس تتحرك بمسار حلزوني معقد، فهي تدور حول نفسها وتدور حول مركز المجرة والمجرة أيضا تدور حور مركز الكون مبتعدة عنه. أما الغروب فهو نتيجة حركة الأرض حول الشمس. ولكن في لغة العرب يسند الفعل لما يحس به الناس. فنقول غربت الشمس وأشرقت الشمس، باعتبار نظر العين لها. يقول تعالى {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حَمِئة}. وجري الشمس هو هذا الذي يحسه الناس من تحركها الظاهر من الشرق إلى الغرب نتيجة دوران الأرض حول نفسها.

 هل الشمس تسجد؟ نعم الشمس تسجد وكذلك كل الأجرام الكونية تسجد لله عز وجل. {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب}. {ألم تر} أي أنهم يسجدون سجوداً حقيقياً نحن نراه. وإنما سؤالهم سببه جهلهم بلغة العرب. ففي "لسان العرب": «كل من ذل وخضع لما أُمر به، فقد سجد». فالسجود هو الانقياد التام، والشمس منقادة لأمر ربها خاضعة له بكل لحظة من لحظاتها.

 أما متى ذلك؟ فإنه منذ خلق الأرض والشمس لا تفتأ غاربةً عن قطعة من الأرض شارقةً على قطعة أخرى منها. فالحديث يقول أن الشمس لا تنفك ساجدة لله تعالى في كل حين، وهي بحالة خضوع دائمة لإرادة الله عز وجل. وبدهي أنها لا تتوقف ولا لحظة واحدة لأنها باستمرار تستأذن الله في أن تكمل مسارها. أما كون ذلك السجود تحت العرش، فلأن السماوات والأرض وغيرهما من العوالم كلها تحت العرش. ففي أي موضع سقطت وغربت فهو تحت العرش وهي لا تخرج عن ذلك أبدا. وهذا لا خلاف فيه بين أحد من علماء المسلمين.

 أما طلوع الشمس من مغربها فهذا يحصل بآخر الزمن قبل يوم القيامة، وهو من علامات الساعة الكبرى. وقد يكون بأمر غير خارج عن القواعد الفيزيائية الطبيعية، وذلك بأن ينقلب القطبين المغناطيسيين للأرض، مما يؤدي لانقلاب الكرة الأرضية. وهذا حسب العلماء قد يحصل في عدة ساعات أي يلاحظه الناس في يوم واحد. وقد حصل من زمن سحيق قبل خلق الإنسان. فلو كان هذا ما سيحصل فإن الناس الذين وجدوا الشمس قد غربت، سيجدونها قد عادت وأشرقت من الغرب، ومن كان وقته نهارا آنذاك، سيرى الشمس دارت في السماء ثم غربت من المشرق. مع استمرار دوران الأرض حول نفسها ودورانها حول الشمس بل توقف.

فإن قيل لماذا ذكر الحديث لحظة الغروب؟ أن الله تعالى يريد من عباده أن يستحضروا عبودية الشمس له تعالى في هذه اللحظة خاصة مع وجود من يعبد الشمس من بني آدم، فيتذكروا أن الشمس -مثلها مثل الأرض والكواكب والنجوم- خاضعة تمام الخضوع لأمر الله عز وجل، لا تتحرك قيد أنملة إلا بإذن الله تعالى.

وأخيرا ماذا فهم الناس وبالذات الصحابة من هذا الحديث لما سمعوه؟ فهِمَ الناس عظمة الخالق وخضوع كل الأجرام الكونية لإرادته، وهو معنى إيماني محض. فيدرك الإنسان حين يسجد لله عز وجل أن سائر الموجودات تشاركه السجود لله ﷻ، ويستفيد في سياق الهداية الربانية، كسائر النصوص في الكتاب والسنة التي تذكر بعض الحقائق الكونية بقصد زيادة الإيمان.

 العودة للصفحة