مقدمة مختصرة في التفسير

 **مناهج التفسير عند الصحابة**

 

ابن مسعود كان ينحى كثيراً إلى التفسير بأسباب النزول وبالقراءات. أما ابن عباس فكان ينحى إلى التفسير بالسنة وباللغة العربية وبالشعر وبالاجتهاد. وكلا المنهجين قويٌّ معتمد.

 

**هل تفسير السلف حجة؟**

 بإمكاننا تقسيم تفسير الصحابي إلى الأقسام التالية:

 1- التفسير الذي فيه غيبيات في العقيدة:

فهذا كله حجة قاطعة، لأنه لا يحل لأحد أن يحدث بغير حديث صحيح مرفوع.

 

2- التفسير الذي فيه أخبار الأمم السابقة وأخبار الفتن والملاحم وأشراط الساعة:

وهذا غالبه يكون حكمه حكم المرفوع. لكن قد يكون الصحابي قد أخذه من أهل الكتاب، فلا حجة فيه. ولا أعلم أنه ثبت عن صحابي قط أنه روى عن الإسرائيليات في التفسير ولم يُبيّن ذلك، إلا عبد الله بن عباس، فقد أكثر من هذا الأمر. أما عن أبي هريرة فيُقال أن الغلط من الرواة، أما هو فيبيّن ما يرويه عن كعب. ولا أعرف لأحد من كبار الصحابة كعبد الله بن مسعود رواية عن أهل الكتاب، بإهمال ما يرويه عنه السدي الكبير الكذاب.

 

3- التفسير الفقهي واللغوي:

هناك خلاف مشهور حول حجية تفسير الصحابي سواء الفقهي أم اللغوي. ومن الأدلة على أن أقوالهم غير مُلزِمة هو اختلافهم في التفسير والفقه. وقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد (4|263) قصة خلافٍ بين ابن عباس وابن مخرمة ثم قال: «وفي هذا الحديث من الفقه: أن الصحابة إذا اختلفوا، لم تكن الحجة في قول واحدٍ منهم إلا بدليلٍ يجِبُ التسليم له من الكتاب أو السنة. ألا ترى أن ابن عباس والمسوّر بن مخرمة –وهما من فقهاء الصحابة وإن كانا من أصغرِهِم سِنّاً– اختلفا، فلم يكن لِواحدٍ منهما حُجة على صاحبه، حتى أدلى ابن عباس بالسنة ففلج».

 

كما أن التابعين كانوا يفتون بحضرة الصحابة. ولم يثبت عن صحابي أنها نهى تابعي عن الإفتاء بحضرتهم، بل كان بعض الصحابة يحيل على التابعين، مثل ابن عباس وتلميذه عطاء. فترى التابعي يخالف الصحابي أحياناً في التفسير والفقه، فلا يستدرك الصحابي عليه ويقول أنا على الصواب لأني أنا صحابي وأنت تابعي.

 

واتفق العلماء أن قول الصحابي أولى من غيره، وإن اختلفوا في حجيته. واتفقوا على أن ما أجمع عليه الصحابة من تفسير فهو ملزم لمن بعدهم. ولكن إثبات إجماع الصحابة عسيرٌ وصعب. ومن الأمثلة على الإجماع الثابت: أن عمر بن الخطاب t كان ينهى الإماء عن تغطية رؤوسهن ويضربهن على ذلك لأنهن يتشبهن بالحرائر. وفرض مثل هذا على الناس لا يكون في مسألة اجتهادية. بل لو كان كذلك لعارضه أحد الصحابة ممن يأبون ذلك على إمائهم، ولكان وصلنا هذا. فَلما لم يصِلنا قولٌ مخالفٌ له، ثبت الإجماع على أن آية الحجاب خاصة بالحرائر لا بالإماء.

 

4- أسباب نزول الآيات:

 قلنا أن هناك خلاف مشهور في حجية قول الصحابي في المسائل الفقهية، أما في أسباب النزول فقول الصحابي حكمه حكم الحديث المسند المرفوع إلى رسول الله r. و إجماع الصحابة على تفسير آية هو حجةٌ قاطعة. و لذلك احتج ابن العباس بهذا على الخوارج.

 

قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير، من كتاب المستدرك «ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين (أي البخاري ومسلم): حديثٌ مُسند». وقال في موضع آخر من كتابه: «هــــو عـــــنــــدنــــا فــــي حــــكـــم الـــمـــرفـــوع». وهو لا يقصد التفسير بالرأي بل يقصد أن قول الصحابي في سبب النزول حجة قاطعة لا يجوز العدول عنها. لأنه لا يحدِّث في ذلك إلا إذا صح عنده حديثاً مرفوعاً أو شهد سبب النزول بنفسه. فقول الصحابي في أسباب النزول ليس اجتهاداً منه، وإنما هو شهادة منه غير متعلقة بالرأي.

 

هذا كله عن تفسير الصحابة. أما تفسير التابعين فما بعدهم فلا ريب أنه ليس بحجة في دين الله. جاء في كتاب الإرشاد للخليلي (1|396): قال شعبة: «رأي التابعين من قِبَلِ أنفُسِهم ريحٌ لا يُعتمَدُ عليه، فكيف في كتاب الله؟!».

 

**كتب السلف في التفسير**

 أهم الكتب التي كتبت في تفسير السلف (أي التفسير بالمأثور):

 

في البداية كان كل مؤلف يكتب ما وصله إما في مصنف مستقل كتفسير عبد الرزاق، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير مجاهد. وإما يكتبه ضمن كتابه، كقسم التفسير عند البخاري في صحيحه، وقسم التفسير عند الحاكم في مستدركه. ولكن هؤلاء لا ينقلون إلا تفسير آيات معينة. حتى جاء الإمام الطبري وجمع أكثر أقوال وتفاسير السلف في مصنف واحد، فأضاف له تفسير كل الآيات، مع ذكر كثير من بيان إعرابها وتفسير الغامض من مفرداتها، واختلاف القراءات بها.

 

وتبعه الكثير من المؤلفين. وأحسن ما جاء في تفسير السلف كتاب "ترجمان القرآن" للسيوطي الذي استوعب به تقريباً كل ما جاء عن السلف من التفسير (وهو مفقود). وقد فاته القليل من التفاسير كتفسير البستي وتفسير الطبراني. ثم اختصر السيوطي كتابه بحذف الأسانيد في كتاب "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" (مطبوع)، وجمع فيه الغث والسمين.

 

وأما التفاسير المسندة فأجمعها هي تفاسير: ابن جرير (310هـ، مطبوع) و ابن المنذر (318، غالبه مفقود) و عبد بن حميد (249، غالبه مفقود) و ابن أبي حاتم (327، مطبوع أكثره). قال ابن حجر عنها في كتابه "العجاب في بيان الأسباب" (ص57): «فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشد عنها شيء من التفسير المرفوع، و الموقوف على الصحابة، و المقطوع عن التابعين». و يمكن تعويض عبد بن حميد بتفسير آدم بن أبي إياس (220 هـ)، و تفسير سعيد بن منصور (و هو ضمن السنن له)، و تفسير عبد الرزاق الصنعاني (غالبه عن قتادة)، و تفسير البستي (307هـ).

 

وهذه الكتب كلها تحتاج إلى تخريج شامل لأن أكثر ما فيها ضعيف لا يصح. وهذا نص عليه عدد من أئمة السلف. قال الإمام أحمد بن حنبل، كما في لسان الميزان (1|12 ): «ثلاثة كتب ليس لها أصول وهي: المغازي والتفسير والملاحم».

 

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (7|435): «أما أحاديث سبب النزول، فغالبها مُرسَلٌ ليس بمُسنَد. ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل: "ثلاثُ علومٍ لا إسناد لها" و في لفظ: "ليس لها أصل: التفسير والمغازي والملاحم". ويعني أن أحاديثها مُرسَلة». وقال: «فالمقصود أن المنقولات التي يحتاج إليها في الدين، قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره. ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحِم. ولهذا قال الإمام أحمد: "ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي". ويُروَى "ليس لها أصل" أي إسناد. لأن الغالب عليها المراسيل، مثل ما يذكره عروة بن الزبير والشعبي والزهري وموسى بن عقبة وابن إسحاق ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموي والوليد بن مسلم و الواقدي ونحوهم في المغازي».

 

قال ابن حجر في اللسان (1|207 ط أبو غدة): «قلت: ينبغي أن يضاف إليها: الفضائل. فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة. إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي، وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي، وفي الملاحم على الإسرائيليات. وأما الفضائل، فلا يحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت، وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية، بل بفضائل الشيخين، وقد أغناهما الله، وأعلى مرتبتهما».

 

قال الزركشي في "البرهان" (2|156) بعد ذكره لمقولة أحمد: «قال المحققون من أصحابه: مراده أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة. وإلا فقد صحّ من ذلك كثير، كتفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعرض، والقوة بالرمي وغيره». قال السيوطي في "الإتقان" (2|228): «الذي صَحّ من ذلك قليلٌ جداً. بل أصل المرفوع منه في غاية القِلّة. وسأسردها كلها في آخر الكتاب».

 

ومن التفاسير المشهورة:

تفاسير الأشاعرة: أبو السعود.

تفاسير المعتزلة: الزمخشري (الكشاف) والرازي (مفاتيح الغيب).

تفاسير الماتوريدية: النسفي.

تفاسير الفقهاء، وتسمى أحكام القرآن: القرطبي المالكي (وهو أشهرها) وابن العربي المالكي والجصاص الحنفي (وهو مشهور) والإلكيا الشافعي (غير مشهور).

قيل: أحسن التفاسير بالرأي تفسير الشوكاني (فتح القدير)، لكنه يكاد يكون تلخيصاً لتفسير القرطبي.

وأحسن التفاسير باللغة تفسير أبي حيان الأندلسي (البحر المحيط)، لكنه يغوص كثيراً في اللغة بخلاف تفسير الزمخشري (الكشاف).

وأحسن التفاسير المعاصرة تفسير الشهيد سيد قطب (في ظلال القرآن).

وأحسن التفاسير بالمأثور، تفسير بقي بن مخلد لكنه ضاع، فبقي تفسير الطبري. أما تفسير السيوطي فما وصلنا إلا مختصره الخالي من الأسانيد!

وشيخ الإسلام ابن تيمية لم يكتب مؤلفاً مستقلاً في التفسير، لكنه اعتنى بتفسير آيات أشكلت على المفسرين من قبله. وقد ندم في آخر عمره أنه لم يجعل النصيب الأوفر من حياته للتفسير.

وأكبر موقع على الشبكة يحتوي على تفاسير هو هذا الموقع الأردني: http://www.altafsir.com/tafseerquran.asp وعيبه أنه يحتوي على العديد من تفاسير أهل الضلالة.

 

 فائدة:

قال الطبري في تفسيره (7|221): «الكلام إذا تنوع في تأويله، فحمله على الأغلب الأشهر من معناه: أحق وأولى من غيره، ما لم يأت حجة مانعة من ذلك يجب التسليم لها». وقال (12|40): «كلام الله لا يُوَجّه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم حُجة على شيءٍ منه بخلاف ذلك، فيُسلّم لها. وذلك أنه -جل ثناؤه- إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به». وقال (17|35): «والواجب أن يوجه معاني كلام الله إلى الأغلب الأشهر من وجوهها المعروفة عند العرب، ما لم يكن بخلاف ذلك مما يجب التسليم له من حجة خبر أو عقل». وقال (9|222): «الفصيح في كلام العرب أن يُترجم عن المجمل من الكلام بالمفسر، وبالخاص عن العام، دون الترجمة عن المفسر بالمجمل، وبالعام عن الخاص. وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام، أولى من توجيهه إلى غيره، ما وجد إليه السبيل».