القول المختار في بعض أحكام الصوم

ثبتوت رؤية الهلال

لا يصح حديث ابن عمر في رؤية الهلال مفرداً. ونص الحديث عند أبي داود: «تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله r أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه». وقد تفرد به ابن وهب ولم يتابعه عليه أحد. ويصعب التصحيح مع وجود تفرد في تلك الطبقة المتأخرة، والله أعلم. ولم يرو هذا الحديث عن ابن وهب إلا مروان، وقيل هارون كذلك. وقد نص الدارقطني والطبراني والبيهقي على تفرد مروان بهذا الحديث، مما يدل على قلة تحديث ابن وهب به، وكأنه خطأ منه. قال الطبراني في الأوسط (4|165): «لم يروِ هذا الحديث عن أبي بكر بن نافع إلا يحيى بن عبدالله بن سالم، ولا عن يحيى إلا ابن وهب. تفرد به مروان الطاطري، ولا يُروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد»، وقال البيهقي (4|212): «هذا الحديث يعد في أفراد مروان بن محمد الدمشقي...»، ثم أسند رواية الحاكم، وكأنه يبيِّن أنه وقف عليها ولم يرها واردةً على الحكم بالتفرد؛ لئلا تُستدرك عليه. أما حديث الأعرابي فقد رجح الترمذي أنه عن سماك عن عكرمة مرسلاً. وسماك ضعيف عن عكرمة، فضلاً عن الانقطاع. فالصواب أنه لا يكفي أن يُعتد بشهادة رجل واحد.

بدئ وقت الصيام

اختلف العلماء في الوقت الذي يبدأ به الصيام (أي في الحَدِّ المُحَرِّم للأكل): هل هو وقت أذان الفجر، أم هو حتى يحصل اليقين بطلوع الفجر؟ وسبب هذا الخلاف هو اختلاف تفسيرهم للتبيُّن في قول الله تعالى: {... وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ...} (187) سورة البقرة. فقال قوم (وهم جمهور المتأخرين): هو طلوع الفجر نفسه. وقال قوم (وهم الصحابة وكثير من التابعين): هو تَبَيُّنَهُ عِندَ النَّاظِرِ إليه، ومن لم يَتبَيَّنه فالأكل مُباحٌ له حتى يتبيَّنه –وإن كان الفجر قد طلع في الواقع–. وفائدة الفرق: أنه إذا انكشف أن ما ظَنَّ من أنهُ لم يَطلع، كان قد طلع: فمن كان الحَدُّ عِنده هو الطّلوع نفسه (وهو رأي المتأخرين)، أوجَبَ عليه القضاء. ومن قال هو العِلمُ الحاصل به (وهو رأي الصحابة)، لم يوجب عليه القضاء. هذا والآثار التي تدعم مذهب الصحابة كثيرة للغاية، منها:

• روى عبد الرزاق في مصنّفه (4|172): أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: قال ابن عباس: «أحَلَّ اللهُ لكَ الشرابَ ما شكَكْتَ، حتى لا تَشُكّ». وهذا غاية في الصّحّة.
• وروى (4|173): عن ابن التيمي (معتمر بن سليمان، ثبت) عن أبيه (سليمان بن طرخان، ثقة) عن حيان بن عمير (ثقة) قال: سُئِلَ ابن عباس عن الرجل يَسمع الأذان وعليه ليل؟ قال: «فليأكل». قيل: وإنه سَمِعَ مؤذِّناً آخر؟ قال: «شَهِدَ أحدهما لصاحبه».
• وأخرج الدارقطني في سننه (2|166): من طريقين عن منصور بن المعتمر (ثقة فقيه من أثبت الناس) عن هلال بن يساف (ثقة) عن سالم بن عبيد (صحابي) قال ثم كنت في حجر أبي بكر الصديق، فصلى ذات ليلة ما شاء الله، ثم قال: «اخرج فانظر هل طلع الفجر؟». فخرجت ثم رجعت فقلت: «قد ارتفع في السماء أبيض». فصلى ما شاء الله، ثم قال: «اخرج فانظر هل طلع الفجر؟». فخرجت ثم رجعت فقلت: «لقد اعترض في السماء و احمَرّ» (أي انتشر الشفق الأحمر في عرض السماء). فقال: «ائت الآن فابلغني سحوري». «ائت الآن بشرابي». قال (سالم): وقال (الصديق) يوماً آخر: «قم على الباب بيني وبين الفجر» (أي حتى يمنعه من رؤية الفجر فيتمكن من التسحر، لأنه لا يدخل وقت الصيام حتى يتيقن من دخول الوقت، وإن كان قد طلع في الحقيقة). قال الدراقطني: «وهذا إسناد صحيح». وفي رواية ابن أبي شيبة (2|276 #8929) المختصرة الصحيحة: قال الصديق: «قم فاسترني من الفجر» ثم أَكَل. قال ابن حزم في المحلى (6|232): «سالم بن عبيد هذا: أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله r. وهذه أصحّ طريقٍ يُمكن أن تَكون». وصححه ابن حجر في فتح الباري (4|136). أقول: وهلال بن يساف ثقة كوفي من الطبقة الوسطى من التابعين، وقد أدرك علياً وسمع عدداً من الصحابة، فلا شيء يبعد سماعه من بلديه سالم.

فيظهر من هذا أن من أكل أو شرب يظنه ليلاً فبان نهاراً، فليُمسك، وصيامه صحيح وليس عليه إثمٌ ولا قضاء، لأن وقت بدئ الصيام يكون عند تيقنه لطلوع الفجر (وإن كان الفجر قد طلع قبل ذلك).

انتهاء وقت الصيام

من أفطر حين سمع المؤذن ثم تبين أن المؤذن قد أذن قبل الوقت، فصيامه صحيح، وليس عليه إثمٌ ولا قضاء، لأنه لم يأكل إلا وقد جزم بأن الشمس قد غربت. لكن تنبيه: لو أكل على أذان المؤذن ثم علم أن الشمس لم تغرب وجب عليه الإمساك، كالناسي إذا أكل أو شرب أمسك ولا يلزمه القضاء. أما لو أنه أكل وهو شاكٌ في غروب الشمس، فهذا يأثم ويلزمه القضاء اتفاقاً، لأن الأصل بقاء النهار، ولا يفطر حتى يتيقن أو يغلب على ظنه أن الشمس قد غربت.

وعدم إبطال الصوم هو الموافق للأصول لأنه لم يتعمد إبطال صومه، حيث ظن أنه في غير صيام، فهو والناسي سواء، كلاهما ظن أنه في غير صيام، ولا فرق، قال تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

أثر هشام:

روى هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: «أفطرنا على عهد رسول الله r يوم غيم، ثم طلعت الشمس». قيل لهشام بن عروة: فأُمِروا بالقضاء؟ قال: بُدٌّ من قضاء؟ وقال معمر سمعت هشاماً: لا  أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لا. أخرجه البخاري.

لم يرو هذا اللفظ عن هشام غير أبي أسامة وعبدة. مع أن أبا أسامة قد اضطرب في نقله للفظ هشام ولذلك أعرض مسلم عن روايته، قال أحمد بن حنبل: «ما كان أروى أبا أسامة –يعني عن هشام–، روى عنه أحاديث غرائب». فعند البخاري: «لا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ» وعند أبي داود: «وَبُدٌّ مِنْ ذَلِكَ» وعند ابن ماجه: «فَلا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ»... وأمثال ذلك. لكن المعنى واحد، أن هشاماً يرى برأيه أنهم لا بُد أن يكونوا قد قضوا لأن القضاء واجب بنظره. لكن ليس عنده خبر يقين إن كانوا قد قضوا حقيقة أم لا. ولذلك فما سأله رجل في مناسبة أخرى أقضوا أم لا؟ قال: لا أدري! ومعلومٌ أن هشام عن أسماء مرسل، وهذه الزيادة ليست من الحديث، إنما هي رأيه الشخصي. ورأي هشام ليس حجة. قال إمام الأئمة ابن خزيمة في صحيحه: «ليس في هذا الخبر أنهم أمروا بالقضاء. و هذا من قول هشام : "بد من ذلك" لا في الخبر. و لا يبين عندي أن عليهم القضاء. فإذا أفطروا و الشمس عندهم قد غربت ثم بان أنها لم تكن غربت كقول عمر بن الخطاب: "و الله ما نقضي ما يجانفنا من الإثم"».

وهو مع ذلك لم يذكر أنهم أُمروا بالقضاء بل أقر بأنه لا يعلم إن كانوا قد أُمروا بالقضاء أم لا، فهو اجتهاد منه مردود. لأن أسماء بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها لم تذكر -وهي الفقيهة العارفة- أن رسول الله r أمرهم بالقضاء. وتأخير البيان عن الحاجة لا يجوز. قال ابن تيمية: «وهذا يدل على شيئين: على أنه لا يستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتيقن الغروب، فإنهم فعلوا ذلك، ولم يأمرهم به النبي r. والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع لله ولرسوله ممن جاء بعدهم. والثاني: لا يجب القضاء، فإن النبي r لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نقل فطرهم، فلم ينقل ذلك دلّ على أنه لم يأمرهم به».

أثر عمر:

جاء في الموطأ أن عمر بن الخطاب أفطر في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخَطْب يسير، وقد اجتهدنا. وهذا القول الأخير قد جاء عن عمر بثلاثة ألفاظ:

الأول : ( الخطب يسير نقضي يوما ) ورجح هذا اللفظ البيهقي انتصاراً لمذهبه. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (24|154) عن البيهقي: «ورآه أهل العلم: لا يستوفي الآثار التي لمخالفيه، كما يستوفي الآثار التي له. وأنه يحتج بآثار لو احتج بها مخالفوه، لأظهر ضعفها وقدح فيها. وإنما أوقعه في هذا -مع علمه ودينه- ما أوقع أمثاله ممن يريد أن يجعل آثار النبي موافقة لقول واحد من العلماء دون آخر. فمن سلك هذه السبيل، دحضت حججه، وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق. كما يفعل ذلك من يجمع الآثار ويتأوّلها -في كثير من المواضع- بتأويلات يَـبـيـنُ فسادها، لتوافق القول الذي ينصره».
الثاني: أنه قال ( والله لا نقضيه، ما تجانفنا لإثم ) ورجح هذا اللفظ شيخ الإسلام وكذلك ابن كثير في مسند الفاروق، وهو الصواب لأن زيداً أوثق وأفضل من خنظلة. أما عن طعن البيهقي بزيد، فهو مردود لأن زيد بن وهب ثقة مخضرم كاد يكون صحابياً بل أثبت له ابن حزم صحبة. فكيف يطعن به؟ وبأي حجة؟ ولم يأت البيهقي بدليل أصلاً. وقد رد عليه زكريا بن غلام فقال: «وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وقد خطّأ إسناده البيهقي بدون حجة، فما أصاب. فليتنبه لهذا». وقد أطال ابن القيم في الرد على البيهقي فأجاد.
الثالث: أنه قال ( الخطب يسير، وقد اجتهدنا ) وليس في هذا ذكر القضاء أو عدمه. وقد تأوله مالك ومن تابعه على أن مراده القضاء، والفريق الآخر تأوله على أن المراد عدم القضاء، وهو الراجح لأنه ظاهر اللفظ. وهذه الرواية (وهي في الموطأ) مرسلة لأن خالد بن أسلم أخا زيد لم يدرك عمر.

فالأصح عن عمر عدم القضاء لأن هذا هو الموافق للقياس وهو الموافق للحديث المرفوع الذي أخرجه البخاري. قال ابن القيم: «فلو قدر تعارض الآثار عن عمر لكان القياس يقتضي سقوط القضاء».

مقتضى القياس

قال ابن القيم: القياس يقتضي سقوط القضاء، لأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم، ولو أكل نسيا لصومه لم يجب عليه قضاؤه والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي، فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله، وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثار فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع؟ وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم الجاهل المخطئ أولى بالعذر من الناسي في مواضع متعددة. وقد يقال إنه في صورة الصوم أعذر منه، فإنه مأمور بتعجيل الفطر استحبابا، فقد بادر إلى أداء ما أمر به واستحبه له الشارع فكيف يفسد صومه ؟ وفساد صوم الناسي أولى منه، لأن فعله غير مأذون له فيه، بل غايته أنه عفو، فهو دون المخطئ الجاهل في العذر.

وبالجملة: فلم يفرق بينهما في الحج، ولا في مفسدات الصلاة كحمل النجاسة وغير ذلك، وما قيل من الفرق بينهما بأن الناسي غير مكلف والجاهل مكلف، إن أريد به التكليف بالقضاء فغير صحيح، لأن هذا هو المتنازع فيه، وإن أريد به أن فعل الناسي لا ينتهض سببا للإثم، ولا يتناوله الخطاب الشرعي فكذلك فعل المخطئ، وإن أريد أن المخطئ ذاكر لصومه مقدم على قطعه، ففعله داخل تحت التكليف بخلاف الناسي فلا يصح أيضا لأنه يعتقد خروج زمن الصوم، وأنه مأمور بالفطر، فهو مقدم على فعل ما يعتقده جائزا، وخطؤه في بقاء اليوم كنسيان الآكل في اليوم فالفعلان سواء فكيف يتعلق التكليف بأحدهما دون الآخر؟! وأجود ما فرق به بين المسألتين: أن المخطئ كان متمكنا من إتمام صومه بأن يؤخر الفطر حتى يتيقن الغروب بخلاف الناسي فإنه لا يضاف إليه الفعل، ولم يكن يمكنه الاحتراز، وهذا -وإن كان فرقا في الظاهر- فهو غير مؤثر في وجوب القضاء، كما لم يؤثر في الإثم اتفاقا، ولو كان منسوبا إلى تفريط للحقه الإثم، فلما اتفقوا على أن الإثم موضوع عنه دل على أن فعله غير منسوب فيه إلى تفريط، لا سيما وهو مأمور بالمبادرة إلى الفطر، والسبب الذي دعاه إلى الفطر غير منسوب إليه في الصورتين، وهو النسيان في مسألة الناسي وظهور الظلمة وخفاء النهار في صورة المخطئ، فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان ومعناه أطعمه الله وسقاه بإخفاء النهار ولهذا قال صهيب: "هي طعمة الله"، ولكن هذا أولى، فإنها طعمة الله إذنا وإباحة وإطعام الناسي طعمته عفوا ورفع حرج، فهذا مقتضى الدليل.

فصل عدم فطر من أكل ناسيا يوافق القياس
وأما من أكل في صومه ناسيا، فمن قال عدم فطره ومضيه في صومه على خلاف القياس، ظن أنه من باب ترك المأمور ناسيا. والقياس أنه يلزمه الإتيان بما تركه كما لو حدث ونسي حتى صلى. والذين قالوا بل هو على وفق القياس حجتهم أقوى، لأن قاعدة الشريعة أن من فعل محظورا ناسيا فلا إثم عليه، كما دل عليه قوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}. وثبت عن النبي r أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء وقال "قد فعلت". وإذا ثبت أنه غير آثم، فلم يفعل في صومه محرما، فلم يبطل صومه. وهذا محض القياس، فإن العبادة إنما تبطل بفعل محظور أو ترك مأمور. وطرد هذا القياس (هنا ذكر بعض الأمثلة) أن من تكلم في صلاته ناسيا لم تبطل صلاته،
وطرده أيضا أن من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيا لم يبطل صيامه ولا إحرامه،
وكذلك من تطيب أو لبس أو غطى رأسه أو حلق رأسه أو قلم ظفره ناسيا فلا فدية عليه، بخلاف قتل الصيد فإنه من باب ضمان المتلفات فهو كدية القتيل (وفي هذا خلاف)، وأما اللباس والطيب فمن باب الترفه. وكذلك الحلق والتقليم ليس من باب الإتلاف، فإنه لا قيمة له في الشرع ولا في العرف.
وطرد هذا القياس أن من فعل المحلوف عليه ناسيا لم يحنث، سواء حلف بالله أو بالطلاق أو بالعتاق أو غير ذلك. لأن القاعدة أن من فعل المنهي عنه ناسيا لم يعد عاصيا، والحنث في الأيمان كالمعصية في الإيمان، فلا يعد حانثا من فعل المحلوف عليه ناسيا.
وطرد هذا أيضا أن من باشر النجاسة في الصلاة ناسيا، لم تبطل صلاته. بخلاف من ترك شيئا من فروض الصلاة ناسيا أو ترك الغسل من الجنابة أو الوضوء أو الزكاة أو شيئا من فروض الحج ناسيا، فإنه يلزمه الإتيان به لأنه لم يؤد ما أمر به، فهو في وقت عهدة الأمر.
وسر الفرق أن من فعل المحظور ناسيا، يجعل وجوده كعدمه. ونسيان ترك المأمور، لا يكون عذرا في سقوطه، كما كان فعل المحظور ناسيا عذرا في سقوط الإثم عن فاعله.
وأيضا فإن فعل الناسي غير مضاف إليه ... لكونه لم يرده ولم يتعمده وما يكون مضافا إلى الله، لم يدخل تحت قدرة العبد فلم يكلف به. فإنه إنما يكلف بفعله لا بما يفعل فيه ففعل الناسي كفعل النائم والمجنون والصغير.
وكذلك لو احتلم الصائم في منامه أو ذرعه القيء في اليقظة، لم يفطر. ولو استدعى ذلك، أفطر به. فلو كان ما يوجد بغير قصده كما يوجد بقصده، لأفطر بهذا وهذا.
انتهى باختصار، وتأمل ما هو باللون الأحمر فهي قاعدة جامعة.

من لم يعرف ببدء رمضان إلا في النهار

من أصبح مفطرا ثم تيقن أثناء النهار انه من رمضان بعدما طعم وشرب، فيجب عليه الإمساك بقية يومه بلا خلاف، لحديث سلمة قال: أمر النبي رجلا من أسلم أن أذّن في الناس: أن من أكل فليصم بقية يومه, ومن لم يكن أكل فليصم فإنه اليوم يوم عاشوراء. رواه البخاري ومسلم. وهل عليه القضاء أم لا؟ ذهب الجمهور إلى أن عليه القضاء ولكن الصواب أن عليه الإمساك دون القضاء. فقد ذكر ابن تيمية إلى انه لا يلزمه أن يقضيه لان القضاء يفتقر إلى دليل لا سيما مع عدم التفريط. وأجاب عن عدم النية بأن النية تتبع العلم، وأن الله تعالى لا يكلف أحداً أن ينوي ما لم يعلم، والعلم لم يحصل إلا أثناء النهار. فلو كان القضاء واجبا لأمرهم به النبي r، ولو أمرهم به لنٌقِلَ إلى الأمة لأنه من الشرع الذي تكفل الله بيانه وأوجب على رسوله r تبليغه.