جواز النظر إلى شعر المخطوبة

أخرج الإمام أحمد في مسنده (3\360): ثنا يعقوب (بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، ثقة ورع) ثنا أبي (ثقة) عن بن إسحاق (جيد الحديث) حدثني داود بن الحصين (ثقة إلا في عكرمة) مولى عمرو بن عثمان عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ (ثقة) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله r يقول: «إذا خطَبَ أحدُكُم المرأة، فَقَدِرَ أن يرى منها بعض ما يَدْعُوهُ إليها، فليَفعَل». وفي زيادة عند أحمد (3\334): قال جابر t: «فخَطبتُ جاريةً من بني سَلِمة. فكنتُ أختبئُ لها تحت الكَرَبِ، حتى رأيتُ منها بعضَ ما دعاني إلى نكاحِها، فتزوَّجتُها».

هذا إسنادٌ جيد. وقد رُوي هذا الحديث بإبدال واقد بن عمرو بن سعد بواقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ. وهذا وهمٌ من بعض الرواة جزم به المِزِّي في تهذيب الكمال (8\379). وهذا الصواب لأنه لا وجود لشخص بذلك الاسم. وكذلك أخرجه الشافعي والحاكم وعبد الرزاق. وللحديث شاهد أخرجه أحمد (5\424) و أعله الطبراني في الأوسط (1\279).

وذهب الأئمة الأربعة وجماهير الفقهاء إلى استحباب نظر الخاطب إلى المرأة التي يريد خطبتها قبل أن يخطبها. وحجتهم في ذلك الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي r، فأتاه رجلٌ، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار. فقال له رسول الله r: «أنظرت إليها؟». قال: لا. قال: «فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً» (يقصد صغر عيونهن).

واتفقوا على أنه لا يُشتَرطُ رضاها بل يجوز في غفلتها. وله تكراره وتأمل المحاسن بلا إذن. لأن النبي r قد أذن في ذلك مطلقاً، ولم يشترط استئذانها. ولأنها تستحيي غالباً من الإذن. ولأن في ذلك تغريراً، فربما رآها فلم تعجبه فيتركها فتنكسر وتتأذى. ولهذا قال العلماء: يستحب أن يكون نظره إليها قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء، بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة. مع العلم أن هذا النظر من غير خلوةٍ بها ولا لمس، إذ لا حاجة إليه. ويجوز لها النظر إليه كذلك، كما أنه يجوز له النظر إليها.

واختلفوا في مقدار ما يجوز له أن يرى منها. فقد ذهب أكثرهم إلى استحباب رؤية الوجه والكفين فقط. وقال بعضهم بجواز رؤية الرأس (أي الشعر) والرقبة والساق أيضاً. وقال بعض العلماء بجواز رؤية كل جسدها (أي متجردة عن ثيابها) ما عدا السوءتين (العورة المغَلّظة). هذا هو المشهور عن داود الظاهري، وقد حكى ذلك ابن عقيل عن الإمام أحمد بن حنبل. وقال الإمام الأوزاعي: «ينظرُ الخاطبُ إلى مواضعِ اللّحم». وهذا لا أراه بجيّد، والله أعلم.

وإنما أختار القول الثاني وهو جواز النظر لما يظهر منها عادة كالرأس والرقبة والساقين. ووجهُ ذلك أن النبي r لمّا أذِنَ في النظر إليها –من غيرِ عِلمها–، عُلمَ أنه أذِنَ في النظر إلى جميع ما يظهر عادة. إذ لا يمكن إفرادُ الوجهِ بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور، طالما أن ذلك من غير عِلمها. ولأن الوجه يظهر غالباً وليس بعورة، فما يحتاج إلى رخصة أصلاً! ولعموم قوله r: «يرى منها بعض ما يَدْعُوهُ إليها». ولأنها امرأةٌ أبيحَ النظرُ إليها بأمر الشارع، فأُبيحَ النظرُ مِنها إلى ذلك كذواتِ المحارم. وقد جاء ذلك (أي جواز رؤية ساقي المخطوبة) عن عمر بن الخطاب t في خطبته لأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب t التي حكاها أخوها محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) بإسنادٍ صحيح.

قال ابن القطّان: «ولها (أي للمرأة) أن تتزين للناظرين (أي للخطبة). بل لو قيل أنه مندوب ما كان بعيداً. ولو قيل إنه يجوز لها التعرّض لمن يخطبها إذا سَلِمَت نيّتها في قصد النكاح، لم يبعد». وينظر كذلك قصة الصحابية سبَيْعَةَ بنت الحارث.

فائدة لطيفة: قال الإمام أحمد: «إذا خطب رَجُلٌ امرأة، سأل عن جَمَالها أوّلاً. فإن حُمِدَ، سأل عن دِينِها. فإن حُمِدَ، تَزوّج. وإن لم يُحْمَدَ، يكون رَدَّهُ لأجْلِ الدِّين. ولا يَسألُ أوّلاً عن الدِّين، فإن حُمِدَ سأل عن الجمال، فإن لم يُحمَد، ردّها. فيكون ردَّه للجمال لا للدِّين».

ا حاجة إلى هذا النص. ثم إن راوي الحديث يقول إنه كان يختبئ للفتاة حتى رأى منها ما دعاه لنكاحها، ولا يتصور أن جابرا كان يختبيء لهذه الفتاة بين النخيل حتى يرى وجهها فحسب.

قال ابن القطّان: «ولها (أي للمرأة) أن تتزين للناظرين (أي للخطبة). بل لو قيل أنه مندوب ما كان بعيداً. ولو قيل إنه يجوز لها التعرّض لمن يخطبها إذا سَلِمَت نيّتها في قصد النكاح، لم يبعد». يقصد أن تتزين لمن تريد أن يخطبها كما فعلت الصحابية سبَيْعَةَ بنت الحارث.

فائدة لطيفة: قال الإمام أحمد: «إذا خطب رَجُلٌ امرأة، سأل عن جَمَالها أوّلاً. فإن حُمِدَ، سأل عن دِينِها. فإن حُمِدَ، تَزوّج. وإن لم يُحْمَدَ، يكون رَدَّهُ لأجْلِ الدِّين. ولا يَسألُ أوّلاً عن الدِّين، فإن حُمِدَ سأل عن الجمال، فإن لم يُحمَد، ردّها. فيكون ردَّه للجمال لا للدِّين».